ينبغي لأستراليا أن تسعى لاستخدام شركات الأمن والعسكريين الخاصين (PMSCs) كأداة استراتيجية لمساعدة شركائها في المحيط الهادئ، وذلك لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في ما يُعرف بـ”عمليات المناطق الرمادية” — وهي تحركات لا تصل حد الحرب لكنها تُحدث تأثيراً عسكرياً وسياسياً. سيسمح هذا التوجه لقوات الدفاع الأسترالية (ADF) بالتركيز على الاستعداد للحروب الكبرى دون التشتت في المهام الأمنية الروتينية.
ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري إجراء تعديلات تشريعية في أستراليا تنظم عمل هذه الشركات بفعالية.
في المقابل، تسعى شركات الأمن الصينية إلى التغلغل في الدول الهشة والنامية، حيث تخلق نوعًا من الاعتماد على بكين، وتُرسخ نفوذها من دون الحاجة إلى إرسال قوات تقليدية. وفي هذا السياق، على أستراليا أن تعمل على مزاحمة هذه الشركات الصينية، خاصة في المهام المتعلقة بحماية البنى التحتية في الموانئ، وتدريب قوات الشرطة المحلية، أو على الأقل أن تسبقها في تلبية أي احتياجات جديدة.
ورغم أن الخيار الأكثر فعالية يتمثل في نشر وحدات من الجيش الأسترالي، فإن الخيار الأكثر كفاءة من حيث الموارد يتمثل في توظيف شركات أمن أسترالية خاصة للقيام بهذه الأدوار، ما يُبقي الجيش مركزًا على أولوياته الاستراتيجية الكبرى.
أدوار محتملة لشركات الأمن الأسترالية:
يمكن أن تتولى شركات الأمن الأسترالية مهام حماية البنى التحتية الحيوية، ودعم قدرات الدول الشريكة، وتقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة في الكوارث، إلى جانب المساهمة في برامج المساعدة الأمنية. هذه الخطوات من شأنها تعزيز مكانة أستراليا في الدول التي تحتاج إلى مثل هذا الدعم، ولا سيما جزر المحيط الهادئ.
عدم استخدام هذه الشركات بشكل استراتيجي قد يؤدي إلى استنزاف الموارد العسكرية الأسترالية المحدودة. فعندما يتم تكليف الجيش بمهام دوريات بحرية، أو حماية كابلات بحرية، أو تدريب القوات المحلية، فإن ذلك يضعف جاهزيته القتالية. وإذا طلبت دول المحيط الهادئ المساعدة في أوقات الاضطرابات أو الكوارث، فإن تحويل وحدات عسكرية لهذه المهام قد يُعرّض أستراليا للخطر في حالة اندلاع نزاع أكبر.
التجربة الصينية وأهميتها:
الصين تقدم نموذجاً فعالاً في هذا المجال. فشركات مثل “DeWe Security” و”Frontier Services Group” تلعب دوراً محورياً في حماية مشاريع مبادرة “الحزام والطريق”، وتُساهم في بناء نفوذ سياسي طويل الأمد في الدول المستضيفة. في المحيط الهادئ، تسهم هذه الشركات في تعزيز النفوذ الجيوسياسي الصيني، وهو ما يُهدد موقع أستراليا التقليدي كشريك أمني رئيسي في المنطقة.
الفرصة الأسترالية البديلة:
شركات الأمن الأسترالية مثل “Unity Resources Group” أثبتت كفاءتها في بيئات صعبة، إذ عملت على حماية دبلوماسيين أستراليين في العراق، وقدمت الدعم اللوجستي في أفغانستان. يمكن تحويل هذه الخبرات إلى المحيطين الهندي والهادئ لتأمين البنى التحتية وتعزيز قدرة الدول الضعيفة على الصمود.
المرونة والشفافية:
تتميز شركات الأمن الخاصة بالقدرة على الاستجابة السريعة والتخصص العالي، ما يجعلها مثالية للتعامل مع الأزمات والتهديدات الناشئة. ومن خلال العمل بشفافية وتحت إشراف صارم، يمكن أن تقدم هذه الشركات بديلاً جذاباً لنظيراتها الصينية، وتُقلل من اعتماد الدول الشريكة على بكين، مما يُعزز النفوذ الدبلوماسي الأسترالي.
دروس دولية وتشريعات مطلوبة:
تُظهر التجارب البريطانية والأمريكية إمكانيات وقيود استخدام الشركات الأمنية. فبينما نجحت بريطانيا في مكافحة القرصنة في المحيط الهندي، وقدمت أمريكا دعماً لوجستياً فعالاً في الشرق الأوسط، فقد شهدت أيضاً حوادث خطيرة مثل حادثة “ساحة النسور” عام 2007 مع شركة “بلاك ووتر”، والتي خلّفت تداعيات إنسانية ودبلوماسية كبيرة.
لذلك، يجب أن تعتمد أستراليا إطارًا تشريعيًا شاملاً ومنسجمًا مع المعايير الدولية، مثل “وثيقة مونترو” و”مدونة السلوك الدولية لمزودي الأمن الخاص”. ويتطلب ذلك ترخيصًا صارمًا، وإشرافًا محكمًا، والتزامًا بمعايير حقوق الإنسان.
تعزيز التعاون المدني–العسكري:
ينبغي تضمين مبادئ التعاون بين المدنيين والعسكريين ضمن عمليات الشركات الأمنية، ليظهر جليًا أن هذه الشركات تُنفذ سياسات أسترالية وطنية، وليس مصالح خاصة. ويمكنها أن تساهم في عمليات الإغاثة، أو مشاريع البنى التحتية، أو تدريب الكوادر المحلية، مما يُعزز من صورة أستراليا في المنطقة.
خلاصة وتوصيات:
مع توقع تزايد الطلب على جهود الإغاثة في الكوارث بالمحيط الهادئ، فإن توظيف الشركات الأمنية الخاصة سيسمح للجيش الأسترالي بالتركيز على الجاهزية للحروب الكبرى. هذه الشركات يمكن أن تصبح “مضاعف قوة” لأستراليا، دون التأثير سلباً على قدرات الجيش الأساسية.
ومع تصاعد التحديات الأمنية في المنطقة، لم يعد من الممكن الاعتماد فقط على القوات العسكرية الحكومية. إدماج الشركات الأمنية بشكل مدروس ومنظم يُمثل حلاً عملياً وضرورياً للحفاظ على استقرار المنطقة وتعزيز المكانة الدبلوماسية الأسترالية، مع حماية مصالحها الأمنية طويلة المدى.
لكن الفرصة لتنفيذ هذه الاستراتيجية تضيق. فالصين تواصل توسّعها عبر شركاتها الأمنية، مما يعيد تشكيل ميزان القوى في المحيط الهادئ. وعلى أستراليا أن تتحرك بسرعة ضمن إطار شفاف ومنظم، قبل فوات الأوان.

