أموال المودعين حق مقدس، ليست منّة. ليست ديوناً، ليست أرقاماً تُشطب، ليست خسائر، ليست ملككم، بل هي جنى عمر شعب كامل تمت سرقتها.

كفى نفاقًا! السياسيون يفتحون ملف المودعين فقط للمزايدة الإعلامية وتسجيل المواقف الكاذبة، بينما أموال الناس منهوبة والمصارف محمية بصمت رسمي مخزٍ. من العار أن يُستخدم وجع المودعين سلعة في بازار السياسة، فيما لا تُتخذ خطوة واحدة حقيقية لاسترجاع الحقوق، هذا السكوت ليس الاّ شراكة في الجريمة.

 

لقد سئم الشعب اللبناني من اجتماعاتكم ونقاشاتكم دون جدوى ودون افعال ملموسة، وكلّ وملّ من مناكفاتكم باتهامات الحزب الآخر عوضاً عن العمل لايجاد حل جذري. كما لم يعد يصدق مسرحياتكم الهزلية بانكم مهتمون بقضية المودعين وتأتون على ذكر المشكلة لمجرد الكلام فقط، رفع عتب، بينما في الحقيقة آخر همكم استعادة اموال المودعين ما دامت بعيدة عنكم وقد هربتم اموالكم، وأكبر دليل على ذلك، لم نسمع أي زعيم او مسؤول يشكو من حجز امواله في المصارف. علاوة على ذلك اخبارات عن تحويلات مالية لكبار السياسيين حصلت بعد الازمة، كما تمكن بعض المودعين من أصحاب النفوذ من استرجاع أموالهم كاملة، بينما المودع لم يستطع سحب دولاراً واحداً، اين التحقيق والشفافية في هذه السحوبات؟ اين العدالة؟

 

أين أموال المودعين؟ ولماذا هذا الإهمال المتعمّد والسكوت عن حقوق المودعين  بعد حوالي الست سنوات. الدولة مجتمعة بحكومتها وبرلمانها ومصارفها مشاركة في أكبر عملية نهب منظّم لأموال المودعين في تاريخ لبنان والعالم. يتعمّد بعض الأطراف إطالة الأزمة على أمل تآكل الحقوق أو التوصل إلى تسويات أقل كلفة عليهم.

 

كفى نفاقًا ومراوغة! ملف أموال المودعين لم يعد يحتمل المزيد من الخطابات الفارغة والمواقف الشعبوية. السياسيون يفتحون هذا الجرح فقط حين تقتضي مصالحهم ذلك، ثم يطوونه بصمت مطبق، تاركين المودعين يعيشون بذل تحت رحمة قرارات مصرف لبنان الغير عادلة، والتي عملت على تذويب الودائع بعدما خسرت قيمتها الشرائية مدة حوالي ستة اعوام. علاوة على ذلك، اقتطاع رسوم شهرية تعسفية لا مبرر لها من الحسابات تفرضها المصارف، ليست الا سرقة علنية والوقاحة الاكبر فرض مبلغ ٤٠ دولاراً مقابل كشف حساب مجمد عنوة. التعاميم أتت كمخدر انما المطلوب خطة انقاذ سريعة، واضحة، شاملة، وعادلة.

 

ما يجري ليس إهمالًا عفويًا بل تواطؤ مكشوف بين طبقة سياسية فاسدة ومصارف محصّنة ومحمية، بينما القضاء المرتشي يلتزم الصمت، أين المحاسبة؟ أين استعادة الحقوق؟ اين تطبيق القوانين؟ من يحمي أصحاب النفوذ ويمنع إنصاف أصحاب الودائع الذين يُذلون يوميًا أمام المصارف؟ أين محاسبة المصارف التي استفادت من الهندسات المصرفية وهربت مليارات الدولارات.

 

من يتابع أداء السلطة السياسية، يلاحظ بوضوح أن غياب أي معالجة جدية لملف الودائع ليس وليد صدفة، بل هو جزء من نهج ممنهج ومدروس. مجلسا الوزراء والنواب يعقدان الجلسات بشكل دوري، لمناقشة قضايا ثانوية، قوانين ايجارات، تعيينات، ضرائب، تمرير صفقات، تقاسم حصص، والاهم طبخ قوانين انتخابية على قياسهم للحفاظ على كراسيهم، بينما يغيب بند الودائع عن جدول الأعمال، كأنه غير موجود، أو كأن معاناة شعب بأكمله ليست أولوية. انها عملية سرقة مقوننة في العصر الحديث.

 

ماذا انجزت الحكومة بعد ستة أشهر غير التعيينات،فقط لا غير، و كالعادة خلف فساد السياسيين وبالمحاصصة بين الاحزاب. يجتمعون يناقشون يتكلمون بلا جدوى. في أوائل عام 2024، أعلنت الحكومة اللبنانية عن إعداد مشروع قانون يهدف إلى إعادة الودائع، مع إعطاء الأولوية لصغار المودعين الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار . لماذا لم يتم إقرار هذا القانون حتى الآن وقد مضى عليه حوالي سنة ونصف؟ لماذا التغاضي عنه؟ كما حصر السلاح بيد الدولة هو أولية، اعادة اموال المودعين أيضاً من الاوليات، او انكم عاجزين عن تناول أكثر من معضلة، ما يدل على فشلكم لطالما  عودتونا عليه.

 

من المعيب أن نرى السلطة تسارع إلى إصدار قوانين انتخاب، لكنها لا تجد دقيقة واحدة لمناقشة مصير أموال الناس! تهرب من تحمل المسؤولية فالسلطة التشريعية والتنفيذية تتقاذفان المسؤولية عن إصدار القوانين فيما تتجاهل عمدًا إصدار قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع عادل للخسائر بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان، لحل قضية الودائع المحتجزة قصراً في المصارف.

 

الإهمال ليس صدفة، بل هو جزء من نهج ممنهج في إدارة الانهيار على حساب الناس. الهدف حماية مصالح الطبقة الحاكمة والمصارف، على حساب المودعين. اذ ان عدد كبير من السياسيين شركاء أو مساهمون في مصارف كبرى، وبالتالي لديهم مصلحة في تجنب أي قرارات قد تُحمّل المصارف أو أنفسهم الخسائر. لذا يعرقلون الحلول التي تُلزم المصارف بإعادة الودائع. هنا تضارب المصالح وتدفن حقوق الناس تحت أقدام الصفقات.

 

عقوبة تضارب المصالح في الدول التي تطبق القانون، تحترم المواطن وتحفظ حقه: العزل الفوري من المنصب، المحاكمة بتهم فساد، مصادرة الأموال الناتجة عن الاستفادة من تضارب المصالح ومنع الترشح لأي منصب مستقبلاً. الا ان في بلادنا، حدث ولا حرج، حيث الفساد مستشري و تضارب المصالح على أوجه، فيتكافؤون ويعتلون اعلى المناصب عوضاً عن زجهم في السجون.

 

إلى متى السكوت؟ أموال المودعين تُنهب يومياً، بلا رحمة، بلا خجل، تحت غطاء رسمي، في ظل غياب أي خطة لاستردادها أو أي قانون يحمي أصحابها. كل يوم تأخير هو جريمة إضافية، وكل جلسة لا تبحث مصير الودائع هي وصمة عار على جبين هذه السلطة، السكوت لم يعد مقبولاً، ما يحصل ليس أزمة مالية فحسب، بل هو انهيار أخلاقي وسياسي كامل