في مقالاتي التي تجاوزت الستة آلاف في التلغراف، ما كتبت يوماً عن بشار الأسد لأنه علوي، ومنذ تسلّم أحمد الشرع الحكم في سوريا، ما كتبت عنه من منطلق كونه سنّياَ، ولم تكن انتقاداتي لممارسات “حزب الله” لأنه شيعي.

بل أكتب في كل العهود والاوقات إنطلاقاً من  انعكاس التجاوزات على الإقتصاص من السيادة اللبنانية لبنان.

أنا أكتب بالحبر الوطني العام ، والمتربصون، الذين يقفون دائماً خلف الباب، يطلقون العنان للعاطفة المذهبية أو الطائفية أن تتحدث بصرف النظر إذا كانت متطابقة مع الموضوع الذي أكتب عنه أو لا؟!.

للأسف بعد أربعين سنة من العمل الصحافي، وبعد أكثر من ستة آلاف مقال، ترى نفسك محاصراً بآراء لا علاقة لها بمسار الواقع، أقلام لا ترى الأمور إلا من منظارها، بل تستعمل الحبر لامتشاق سيف الحقد والكراهية وإفلات العنان لنفوس محقونة، وكثيراً ما تأتي الردود لا علاقة لها بالنص الذي تكتبه، بل لإفراغ ما يعتمل في أفكار أهل الرد؟..

هل نستسلم لثقافة الدهس و”الهَرس” والقتل والتصفيات المقيتة، وهل ضغطنا على زرّ العودة الى أكثر من 1500 سنة لنروي غليل الماضي، ونثأر وننتقم أو نستعيد حقوقاً وجدنا اليوم فجأة أننا فقدناها؟.

يا أصدقائي، إن طرابلس وجبيل وصيدا وصور كلها لبنانية، بالأمس درّسونا عن طرابلس العلم والعلماء، وعن جبيل مدينة الحرف، وعن صيدا التي أحرقت نفسها كي لا يدخلها الأعداء وعن صور العصيّة على الإسكندر…

فما بالنا اليوم نمحو ماضينا ليس بحشطة قلم بل بضربة سيف؟!.

وكذلك في سوريا، جريمة أن يسقط التاريخ عند أقدام المقاتلين. فالسويداء ودمشق واللاذقية وحلب، كلها حملت مجد تدمر وأوغاريت، فلماذا استفاقوا اليوم على نحرها بالخنجر المذهبي؟.

علّمونا في الكتب أن السنّة والمسيحيين والدروز والعلويين والأرمن  كلهم سوريون، هل علينا اليوم أن نمزّق تلك الكتب وقد تلوّثت بالدماء.

لم نعد نستطيع أن نؤاسي حزيناّ ونبلسم جرحاً ونأخذ بيد مظلوم، ولم نعد قادرين على قول الحق، ولفتِ النظر ، فالسائد اليوم أسوأ من شريعة الغاب ، لأن شريعة الغاب سببها الجوع أما ما نحن فيه فسببه التخمة، تخمة في الحقد، وتخمة في العنف والكراهية وتخمة في الملل والنحل.

عليك أن تمزّق القواميس وأن تخنق صوتك وأن تمحو التاريخ وأن تغيب عن السمع: ممنوع أن تتحدّث عن معارك الجيش والدعم السريع في السودان، ممنوع ان تتناول خلاف السلطة الفلسطينية وحماس، وممنوع أن تسأل عما يحصل بين أهل السويداء والعشائر، كما هو ممنوع أن تتناول موضوع سلاح حزب الله في لبنان وصراعات الفصائل في العراق.

وممنوع أن تطلب من الذين تعتبرهم أصدقاءك في سدني أن يلطّفوا ما يأتون به على وسائل التواصل الإجتماعي…؟.

اللهمّ نجّنا من الطوفان المذهبي وأبعِدْ أمواجه عن سدني؟!.