تواجه أستراليا حاليًا أزمة إسكان حادة، حيث يجد الكثيرون صعوبة بالغة في العثور على سكن بأسعار معقولة، وتتزايد أعداد المشردين بشكل ملحوظ. في ظل هذا التحدي، يتجه الأنظار نحو حلول مبتكرة قد تأتي من مصدر غير متوقع: مصانع السيارات المهجورة.
لقد تعهدت الحكومة الفيدرالية بتشجيع بناء حوالي 1.2 مليون مسكن جديد خلال السنوات الخمس المقبلة، بدءًا من منتصف عام 2024. ولكن مع طرق البناء التقليدية البطيئة والمكلفة، فإن تحقيق هذا الهدف يبدو صعبًا. هنا تبرز الحاجة الملحة لأساليب بناء أسرع وأقل تكلفة.
تحويل مصانع السيارات إلى مصانع منازل
في السنوات الأخيرة، أغلقت شركات تصنيع السيارات الكبرى مثل فورد وجنرال موتورز وتويوتا مصانعها الأسترالية بسبب المنافسة العالمية الشديدة. هذه المصانع، التي كانت ذات يوم مراكز للعمالة المدربة والآلات المتقدمة وأنظمة الإنتاج الفعالة، أصبحت الآن هياكل فارغة.
تعمل شركات أسترالية مثل “هيكوري جروب” (Hickory Group) على تحويل مصانع السيارات هذه إلى مصانع للمنازل. هذا النهج ليس جديدًا تمامًا؛ ففي اليابان، تقوم تويوتا بتصنيع المنازل المعيارية منذ عقود، وذلك بتكييف تقنيات خطوط إنتاج السيارات. يمكن أن يسهم توسيع هذا النهج في أستراليا في معالجة الانكماش الصناعي وتلبية الطلب على الإسكان في آن واحد.
هل يمكن لمصانع السيارات المهجورة أن تصنع المنازل حقًا؟
انتهى عصر صناعة السيارات الضخمة في أستراليا عام 2017. خلفت مصانع السيارات هذه هياكل قوية، بعضها لا يزال يضم خطوط إنتاج متطورة، وعمالًا سابقين يتمتعون بتدريب عالٍ في الأتمتة والهندسة الدقيقة.
يوجد تشابه بين بناء المنازل في المصانع وتصنيع السيارات، فكلاهما يعتمد على الإنتاج المعياري، حيث يتم تصنيع الأجزاء الفردية ثم تجميعها في منتج نهائي. ومع ذلك، لن يكون الأمر سهلًا؛ فستكون هناك عقبات تنظيمية يجب تجاوزها، وستحتاج المصانع إلى تجديد شامل. يكمن التحدي في كيفية تكييف أدوات صناعة السيارات الحديثة (مثل الروبوتات) لإنتاج مكونات المنازل.
من شأن إعادة هذه المصانع إلى الإنتاج أن يعزز اقتصادات الولايات الأسترالية، مثل فيكتوريا. وقد بدأت ولايات أخرى، مثل جنوب أستراليا، بالفعل في هذا المسار، حيث تم تحويل مصنع “تونسلي بارك” (Tonsley Park) التابع لشركة ميتسوبيشي إلى مركز للابتكار يستضيف شركات بناء معيارية مثل “فوسكو كونستركشنز” (Fusco Constructions).
فوائد البناء في المصانع
تُبرز الدعوات إلى استخدام أساليب البناء الحديثة عدم كفاءة نقل مواد البناء إلى الموقع وتجميعها هناك. تصنيع المنازل في المصنع يقدم فوائد عديدة، بما في ذلك:
- تكلفة أقل: تقليل التكاليف الإجمالية للبناء.
- إنتاج مركزي: تركيز عملية الإنتاج في بيئة مصنعية.
- الحماية من الطقس: عدم تأثر العمل بتقلبات الطقس.
- استخدام الروبوتات الصناعية: الاستفادة من التكنولوجيا لزيادة الكفاءة والدقة.
تضمن خطوط تجميع السيارات تصنيع كل مكون وفقًا لمواصفات دقيقة. يمكن لتطبيق هذه التقنيات، بما في ذلك المحاكاة الرقمية والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد، في صناعة المنازل أن يسرع البناء ويقلل الأخطاء ويخفض الأسعار.
تغيير قادم.. ولكن ببطء
تقنيات البناء المتقدمة ليست جديدة على أستراليا. فالمباني الجاهزة تُصنع بالفعل في المصانع من قبل شركات مثل “فليتوود” (Fleetwood) و “آتكو ستراكشرز آند لوجيستيكس” (ATCO Structures and Logistics) و “مودسكيب” (Modscape). ومع ذلك، تُستخدم معظم هذه المباني حاليًا كمدارس أو مراكز شرطة أو سكن مؤقت لعمال المناجم.
لتعزيز هذا التوجه، أنشأت الحكومة الفيدرالية العام الماضي صندوقًا بقيمة 900 مليون دولار أسترالي لتحفيز الحكومات على تسريع الموافقات على البناء وتبني تقنيات البناء الجاهزة. ومع ذلك، لا يزال القطاع يواجه صعوبة في التوسع بسبب نقص البنية التحتية وعدد قليل من المصنعين.
تتجه دول أخرى في هذا المسار بشكل أسرع. ففي السويد، تُصنع ما يصل إلى 84% من المنازل المنفصلة بمكونات مسبقة الصنع، مقارنة بحوالي 15% في اليابان و5% في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.
ماذا يتطلب الأمر لتحقيق ذلك؟
تطورت أزمة الإسكان في أستراليا على مر السنين، ولحلها، قد نحتاج إلى حلول جريئة. يمكن أن يساعد تحويل مصانع السيارات القديمة إلى مصانع للمنازل ذات التكلفة المعقولة في تسريع الاستجابة لهذا التحدي، وتنشيط المناطق الصناعية.
يتطلب تحقيق ذلك جهدًا وتمويلًا، ولكن توجد قواسم مشتركة. يعتمد تصنيع المنازل الجاهزة على أساليب إنتاج معيارية ودقيقة تعمل بشكل أفضل عندما تكون مؤتمتة. ويمكن لمثل هذه التحولات أن تحدث.
هل تعتقد أن هذا النهج يمكن أن يكون الحل لأزمة الإسكان في أستراليا؟

