
في خطوة غير مسبوقة عالمياً، تستعد أستراليا لتطبيق قانون جديد وصفه كثيرون بأنه “ثوري” في مواجهة التأثير المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي على الأطفال.
من المقرر أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، فارضاً حظراً فعلياً على استخدام مواقع مثل فيسبوك، إنستغرام، سناب شات، تيك توك، وإكس (تويتر سابقًا) من قبل أي شخص لم يبلغ سن 16 عامًا.
ولطالما اتخذت شركات التكنولوجيا العالمية من مبدأ “الحد الأدنى العمري 13 عاماً” سياسة شكلية أكثر منها فعلية، إذ يكفي أن يُدخل الطفل تاريخ ميلاد زائفاً ليحصل على حساب كامل الميزات.
لكن أستراليا قررت هذه المرة قلب المعادلة، وبدلاً من الاعتماد على صدق المستخدم، ستُلزم الشركات نفسها بالتحقق من الأعمار بآليات فعالة، وتُحمّلها المسؤولية الكاملة عن أي انتهاكات، مع فرض غرامات قد تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (نحو 31 مليون دولار أميركي) على ما يُعرف بـ”الانتهاكات النظامية” – وهي مصطلحات لا تزال تفاصيلها الدقيقة قيد التحديد.
وبحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإنه رغم الحسم السياسي، لا تزال التحديات التقنية قائمة: ما نوع التكنولوجيا التي ستُستخدم للتحقق من أعمار المستخدمين؟ وكيف يمكن ضمان فعاليتها دون المساس بخصوصية المستخدمين البالغين؟ وهل ستقبل الشركات العملاقة، المدفوعة بمصالحها المالية، بالامتثال لقانون لا سابق له عالمياً؟
وتبرز تساؤلات بوضوح الدور الحاسم للتنفيذ، لا سيما في ظل إشارات دعم غير مباشرة لبعض المنصات من شخصيات بارزة مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
الهجوم لم يتأخر، فقد وصف إيلون ماسك – مالك منصة إكس – الحكومة الأسترالية بقيادة أنتوني ألبانيز بـ”الفاشية”، مهاجماً القانون ووصفه بأنه “وسيلة خفية للتحكم في وصول جميع الأستراليين إلى الإنترنت”، في إشارة إلى ما يعتبره تهديدًا واسع النطاق لحرية التعبير.
ولا يستهدف القانون الأطفال بقدر ما يوجّه سهامه إلى الشركات التي تُدير اليوم واحدة من أكثر الصناعات نفوذًا في العالم الرقمي، ويُحركها مليارديرات مثل مارك زوكربيرغ وإيلون ماسك، ممن يتحكمون في خوارزميات وتدفقات محتوى تصل إلى مليارات البشر.
أما بالنسبة لمؤيدي القرار، فإنهم يعتبرونه ضرورة أخلاقية وصحية لحماية الأجيال الناشئة من التأثيرات السامة لمواقع التواصل، من الإدمان الرقمي إلى تدهور الصحة النفسية، والتنمر، واضطرابات النوم، والاكتئاب، بحسب تقرير لـ “التايمز” البريطانية.
وبهذا القانون، تُرسل أستراليا رسالة واضحة إلى العالم: لم يعد مقبولًا أن تُترك منصات التواصل لتُحدد قواعد اللعب بمعزل عن الدول والمجتمعات. إنها معركة سيادة رقمية بامتياز، ورهانٌ على نموذج جديد من التنظيم، يُحمّل الشركات التقنية مسؤولية اجتماعية مباشرة، ويمنح الدولة سلطة التدخل لحماية الأطفال.