
لقد مر رد الفعل الأسترالي على سياسات ترامب بمراحل متعددة، من الإنكار الأولي إلى محاولات المساومة التي باءت بالفشل، ووصولاً إلى حالة من الغضب والإحباط المتزايدين نتيجة للرسوم الجمركية. ولكن، لا مفر من الوصول إلى مرحلة القبول.
إن إعلان ترامب عن “يوم التحرير”، وما تضمنه من فرض رسوم جمركية على معظم دول العالم، يمثل تحولاً جذرياً يستدعي إعادة تقييم شاملة للسياسة الاقتصادية والخارجية الأسترالية. إن هذا الإعلان يعكس رغبة ترامب في إخراج الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي، الذي يعتبره غير عادل ويستغل المصالح الأمريكية.
على الرغم من أن الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الصادرات الأسترالية قد لا تبدو مقلقة في حد ذاتها، حيث تعتبر الولايات المتحدة خامس أكبر سوق تصدير لأستراليا، إلا أن التداعيات المستقبلية قد تكون أكثر خطورة. فالردود المتوقعة من الدول الأخرى على الصادرات الأمريكية، خاصة في القطاع الزراعي، قد تخلق فرصاً تصديرية لأستراليا.
ومع ذلك، فإن التأثير الأكبر يكمن في التصعيدات اللاحقة. ففي ظل توجه ترامب نحو ولاية ثالثة، يتزايد اعتبار الولايات المتحدة عدواً من قبل الأوروبيين، مما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل آليات لمواجهة الإكراه الاقتصادي، وهو ما قد يؤدي إلى حرب تجارية شاملة.
إن انسحاب الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي يتجاوز مجرد فرض الرسوم الجمركية، حيث يشمل أيضاً الانسحاب من المنظمات والمعاهدات الدولية، وتقليص المساعدات التنموية، وتجميد التمويل للأبحاث العلمية المشتركة. كما أن السياسات الداخلية الأمريكية، مثل الهجوم على الجامعات ورفض العلوم، تنذر بتدهور اقتصادي طويل الأجل، وهجرة الكفاءات العلمية.
في ظل هذه التطورات، يجب على أستراليا أن تتبنى استراتيجية جديدة تقوم على الاعتراف بأن الولايات المتحدة لم تعد جزءاً من مستقبلها الاقتصادي والجيوسياسي. وهذا يفتح الباب أمام أستراليا للانخراط الكامل في منطقتها، لتصبح دولة آسيوية بكل معنى الكلمة.
تتضمن هذه الاستراتيجية خطوات حاسمة، مثل السعي للحصول على عضوية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وإيجاد توازن بين القوى المهيمنة في المنطقة، والتخلي عن فكرة أن الولايات المتحدة هي حليف تقليدي.
إن الانفصال عن الولايات المتحدة سيكون مؤلماً، ولكنه حتمي. وبدلاً من التشبث بأوهام عودة الديمقراطية الأمريكية، يجب على أستراليا أن ترحب بفرص الاندماج الكامل في المنطقة الأكثر ديناميكية في الاقتصاد العالمي.