
قدمت الحكومة الفيدرالية الأسترالية ميزانيتها المبكرة الأسبوع الماضي، التي أتت على شكل بيان انتخابي أولي، يحمل بعض المسكنات والوعود بعيدًا عن أي حلول جذرية للمشاكل التي تواجه أستراليا، خصوصًا قضايا الإسكان وغلاء المعيشة.
وفي السياق ذاته، جاء رد المعارضة الفيدرالية على الميزانية بدون سقف تغييري، وحتى إن الميزانية ورد المعارضة، أي رؤيتها المستقبلية، يتماهيان في طروحاتهما لقضايا أساسية مثل الصحة، حيث تبنت المعارضة مقترحات الحكومة لتعزيز القطاع الصحي العام ودعم (الميديكير) بمبلغ يتجاوز 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى دعم قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة ورعاية الأطفال.
برز الاختلاف بين المعارضة والحكومة في مسألة التخفيضات الضريبية التي أقرتها الحكومة، والتي وصفتها المعارضة بأنها رشوة انتخابية، ووعدت بإلغائها في حال فوزها بالانتخابات، رغم أن الائتلاف المعارض معروف تاريخيًا بأنه حزب التخفيضات الضريبية، بالإضافة إلى نية الائتلاف التخلي عن خدمة 41 ألف موظف من القطاع العام لتوفير مبلغ 7 مليارات دولار في العام.
لكن المعارضة، التي وصفت التخفيضات بأنها رشوة انتخابية، لم تتأخر في تقديم رشوة انتخابية من جانبها، حيث وعد زعيم المعارضة بيتر داتون بتخفيض الضريبة على المحروقات لمدة سنة واحدة بنسبة 50%، وبررت المعارضة خطوتها بأن لها تأثيرًا مباشرًا على كلفة المعيشة، يساوي 14 دولارًا في الأسبوع بصورة مباشرة، بعكس التقديمات الضريبية التي وعدت بها الحكومة، والتي سيبدأ العمل بها بداية السنة المالية 2026-2027 وعلى مراحل، المرحلة الأولى تساوي 5 دولارات، و10 دولارات في المرحلة الثانية، حتى تصل في المرحلة الأخيرة إلى 15 دولارًا في الأسبوع، وبكلفة 17 مليار دولار.
في اليوم التالي لرد المعارضة، ذهب رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي إلى مقر الحاكم العام وطلب تحديد يوم الانتخابات في 3 أيار القادم، ليصبح الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات الفيدرالية القادمة، بعد أن وافقت الحاكم العام سام موستين على طلب رئيس الوزراء، لتبدأ حملة انتخابية رسمية تستمر خمسة أسابيع.
رئيس الوزراء، بخطوته تلك، وجه ضربة إعلامية وبكيدية ولأسباب سياسية للمعارضة، وحرمها من الحصول على التغطية الإعلامية لردها على الميزانية، حيث ركز الإعلام على الحدث الأهم، وهو الانتخابات، وبدأت التحليلات تركز على المسار السياسي للحملة الانتخابية.
يبدو أن الحزبين الكبيرين يريدان أن تكون المعركة الانتخابية على أرضية اقتصادية: غلاء المعيشة، الإسكان، الطاقة، الهجرة، السياسة الدفاعية، والإنفاق العسكري، الذي تعهدت الحكومة برفعه إلى نسبة 2.3% من الدخل القومي، بينما وعدت المعارضة بالإعلان عن أرقامها خلال الحملة الانتخابية…
المستشار السياسي في مؤسسة ريدبريدج، كوس ساماراس، وصف المنافسة بين تخفيضات الضرائب التي قدمها حزب العمال، والإعفاءات من ضريبة المحروقات التي قدمها الائتلاف بـ”معركة الضمادات”، أي أنها سطحية.
إذن، إنها البداية، وهناك تساوٍ في استطلاعات الرأي 50% لكلا الحزبين مع الأصوات التفضيلية حاليًا، ومن الآن حتى يوم الحسم الانتخابي، سوف نسمع الكثير من التصريحات من قبل السياسيين عن مشاريعهم التي لم يفصحوا عنها، والمزيد من استطلاعات الرأي. والجدير ذكره، أن نسبة كبيرة من الناخبين غير الملتزمين تساوي أربعة من كل عشرة ناخبين، مما سيضفي على الحملة الانتخابية أهمية خاصة لمحاولة كسب هؤلاء الناخبين.
تحتفظ الحكومة الحالية بأكثرية 77 مقعدًا من أصل 151 عدد أعضاء مجلس النواب، و53 للائتلاف المعارض (أحرار-وطني)، و6 مقاعد للأحزاب الصغيرة، و13 مقعدًا للمستقلين، وهناك مقعدان شاغران.
وبعد تعديل حدود المناطق الانتخابية الدورية التي تجريها مفوضية الانتخابات الأسترالية، سوف يتم تخفيض عدد المقاعد في المجلس القادم إلى 150 مقعدًا بعد إلغاء مقعد شمال مدينة سيدني.
من بين السيناريوهات المطروحة، عدم فوز أي من الحزبين الكبيرين بأغلبية مطلقة، حيث سيكون هناك مجلس نواب معلق وحكومة أقلية. ووفقًا للأعداد الحالية، فإن خسارة حزب العمال 3 مقاعد تعني فقدانه للأغلبية، مما سيجبره على التحالف مع الأحزاب الصغيرة أو المستقلين لتشكيل الحكومة. في المقابل، يحتاج الائتلاف إلى كسب 20 مقعدًا ليتمكن من تشكيل حكومة بدون الحاجة للتحالف مع أي طرف آخر.
وتعليقًا على ذلك، يقول رودني سميث، أستاذ السياسة الأسترالية في جامعة سيدني، إن تراجع دعم الأحزاب الرئيسية في نيو ساوث ويلز وعلى الصعيد الوطني سيستمر في هذه الانتخابات. ويضيف أن هذا ما سيجعل مهمة الحزبين الكبيرين صعبة في إقناع الناخبين، الذين لا يفضلون أيًا منهما، بهدف الحصول على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة.
يشار إلى أن نسبة التصويت للحزبين الرئيسيين انخفضت بنسبة 20% منذ انتخابات عام 2004، حيث حصل الائتلاف وحزب العمال آنذاك على 82% من الأصوات التفضيلية الأولى، بينما يُظهر أحدث استطلاع أجرته مؤسسة (RPM) أن هذه النسبة تراجعت إلى 62% فقط حاليًا.
وأخيرًا، وبما أن الحملة الانتخابية لا تزال في بدايتها، لا نعرف ما إذا كان أي من الحزبين سيخرج “أرنبًا سياسيًا” من كمّه لجذب الناخبين، أم أن سياسيًا ما سيرتكب زلة لسان أو تصريحًا غير محسوب يودي بحزبه إلى غياهب الخسارة الانتخابية.