
في أحد أعرق أحياء القاهرة، حيّ المطرية، اجتمع آلاف الأشخاص من مختلف أنحاء مصر والعالم حول أكبر مائدة إفطار في مصر وربما في العالم، حيث تجسّدت أجواء المحبة والعطاء التي تُميّز شهر رمضان، وتضافرت القلوب وتشاركت الموائد. وبذلك، صدق الفنان حسين الجسمي في كلمات أغنيته: “رمضان في مصر غير الدنيا”.
بدأت فكرة مائدة الإفطار هذه عام 2013 من قبل أهالي عزبة كوم حمادة الأقباط في حيّ المطرية، الذين نظموا الحدث في البداية كعمل خيري تطوّعي. ومع مرور السنوات، تحوّلت الفكرة إلى تقليد سنويّ، يُحتفل به كلّ عام في الـ15 من رمضان. هذا العام، وبمناسبة مرور 11 سنة على بدايته، أقيم الإفطار تحت شعار “مصر بخير، الـ11 غير”، وامتدت المساحة النهائية للموائد إلى 20 شارعاً، بمشاركة أكثر من 2000 متطوع من سكان الحيّ.
لذلك، قرّر ثلاثة شبان مصريين، وهم صانع محتوى، ومصوّر، ومتطوّع من منطقة المطرية، توثيق هذه التجربة الفريدة في عامها الـ11، ومشاركتها مع العالم، بهدف تقديم صورة مشرقة عن بلدهم مصر ومناطقها الشعبية.
قدّم هؤلاء الشبان محتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصل إلى أكثر من مليون مشاهد. ويقول صانع المحتوى أحمد المصري، المتخصّص في السياحة، في حديث خاص لـ”النهار”: “على الرغم من أنه إفطار ليوم واحد، فإنه يجذب السياح بشكل كبير، حتى أن عدداً من السياح الأجانب يحددون مجيئهم يوم 15 رمضان للمشاركة في إفطار المطرية، وعيش أجواء رمضان المميزة في مصر”.
“أفطرت في منزل عائلة مسيحية”
وعبّر المصري عن شعوره خلال تلك التجربة، قائلاً: “أحسست أنني وسط عائلة كبيرة جداً من جنسيات مختلفة، حيث كان الغني إلى جانب الفقير، ولم نشعر بأي فرق بيننا أبداً. كان هناك التكاتف والترابط فقط”.
وأثناء مروره على أكثر من منزل لتوثيق الحدث من أكبر عدد من الزوايا، حان وقت الآذان وهو في منزل عائلة مسيحية، فحرصت هذه العائلة على إعداد الإفطار له ولصديقه، في لفتة مليئة بالمودة والاحترام، تعكس روح التعاون والتلاحم بين الجميع.
وفي حديث خاص لـ”النهار”، قال المصوّر عمرو شكري، الذي وثّق الحدث بعدسته: “كان من الضروري التقاط زوايا تصوير متعددة، وذلك لتوثيق الحدث ونقل صور واضحة لإفطار المطرية. فالنسيج الوطني للشعب المصري لا مثيل له، ومستوى الترابط بين أفراده غير قابل للانقطاع”.
ووصف المصوّر المصري شعوره بكسر صومه في ذلك اليوم وسط أشخاص لا يعرفهم، قائلاً: “جاءني شعور وإحساس فريد من نوعه، وأنا أفطر مع عائلة مصرية لا نعرف بعضنا بعضاً من قبل، ولكن جمعتنا روح المودّة والحب والكرم في حيّ المطرية”.
وتابع: “هو شعور توقفت أمامه قليلاً ونحن نسمع أذان المغرب، الذي كان إشارة انطلاق جديدة، لنكوّن روابط جديدة ونأكل معاً “عيش وملح”، فأحسست بالفخر بأنني أنتمي إلى الشعب المصري”.
وأشار شكري إلى أنه لم يواجه أي صعوبات أثناء التصوير رغم العدد الهائل، حيث قال: “كانت شوارع ومنازل سكان حيّ المطرية مفتوحة على مصراعيها لجميع الحضور في أكبر مائدة إفطار، مما ساعدني على توثيق واحدة من أهم السمات التي تميز شهر رمضان الكريم في مصر”.
مصدر الفكرة وتمويلها
أما مصعب رضوان، وهو متطوّع من حي المطرية، فقال لـ”النهار” إنّ “مائدة الإفطار هذه، التي امتدت على نحو 20 شارعاً، وحضرها 100 ألف شخص، تُعدّ أكبر مائدة إفطار في العالم من حيث المساحة التي وصلت إلى حوالي 20 كيلومتراً تقريباً، أو من حيث عدد وجبات الإفطار التي بلغت 60 ألف وجبة”.
وكشف رضوان أن الفكرة بدأت بعزيمة صغيرة في المنزل بين الأصدقاء، ثم كبر العدد وانتقلت إلى الشارع، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وهي تتوسع أكثر فأكثر كل عام.
وعن تمويل هذا الإفطار، ذكر المتطوّع أنه “توجد جمعية خاصة لأهالي المطرية، حيث يساهم كل شخص بمبلغ مادي معين حسب قدرته، كما أن هناك أشخاصاً مقتدرين أكثر يساعدون في زيادة كميات المواد الغذائية بشكل كبير”.
وأشرف على مائدة الإفطار، التي توقفت فقط في عامي 2020 و2021 بسبب جائحة “كورونا”، أهالي المطرية أنفسهم، الذين زيّنوا الشوارع ودهنوا الحوائط، بينما قامت السيدات المصريات بطهو وتجهيز الطعام، حيث وصل عدد الوجبات المعدة إلى 60 ألف وجبة وُزّعت على الصائمين.