بقلم الدكتور فيليب سالم
إنها الحرب. حربٌ أخرى على طريق الجلجلة. نصف قرن ولبنان معلّق على الصليب. آلام تتراكم فوق آلام. يقتلونه كل يوم، ولكنه يرفض أن يموت. وها هو اليوم في أزمة وجودية تهدد كيانه إذ في الماضي القريب كان حزب الله قد انقلب على الدولة ومؤسساتها وصار العالم يتعاطى مع لبنان وكأنه جمهورية حزب الله. وجاءت إسرائيل اليوم تشن حربا مدمرة عليه، وهي تقول أن الحرب تهدف إلى تدمير حزب الله لا الى تدمير لبنان. ولكن إسرائيل قد خرجت عن الشرعية الدولية كما خرجت عن الضوابط الأخلاقية والإنسانية؛ فهي تدمر وتقتل كل من يقف في الطريق للوصول إلى أهدافها. تقوم بكل ذلك بدعم غير مسبوق من دول الغرب وبوجود قوة عسكرية مكثفة أمريكية-أوروبية وضعت في الشرق لحمايتها. إنها الحرب. وليس لدينا رئيسا للجمهورية؛ والحكومة في قبضة حزب الله، والبرلمان مشلول كليا. فمن يتكلم باسم لبنان؟ من سيقول للعالم أن لبنان ليس جمهورية حزب الله؟ من سيقول للعالم أن لبنان هو جمهورية الحضارة في الشرق كله؟
غداً أو بعد غد تنتهي هذه الحرب؛ ونحن لا محالة، قادمون إلى تسوية سياسية لهذا الصراع الدائر بين إسرائيل والغرب من جهة وإيران وتوابعها من الجهة الأخرى. ولكن السؤال، هل سيكون لبنان حاضرا في المفاوضات التي ستقود إلى التسوية؟ خوفنا أن يكون غائبا، لأن في غيابه ستكون التسوية على حسابه. على حساب كيانه وهويته وحضارته، بل ستكون على حساب واجب الوجود لوجوده. لذا جئنا نطالب بحضور لبنان والدفاع عن قضيته. وكيف يكون ذلك ؟
يكون ذلك بتأسيس جبهة سيادية عريضة من مقيمين ومنتشرين يتفق أسيادها على بنود ستة: خمس لاآت ونعم واحدة. لا للحرب. لا لرئيس جمهورية يلبس عباءة حزب الله . لا لهيمنة إيران على القرار اللبناني. لا للسلاح خارج سلطة الدولة؛ ولا لتقديم لبنان فدية لفلسطين. ونعم واحدة. نعم لسيادة لبنان على جميع أراضيه وترابه. ونصّر أن تكون هذه الجبهة وطنية لبنانية لا جبهة مسيحية. ونطلب من جميع الكتل السياسية في هذه الجبهة أن ترتفع من الطائفة إلى الوطن. أن ترتفع من المطالبة بحقوق الطوائف إلى المطالبة بحقوق الوطن. إلى حق لبنان في أن يحيا. ومخطئ من يظن أننا ضعفاء لأننا لا نملك السلاح. فنحن نملك ما هو أهم وأقوى، نملك الحق. والحق هو أن يكون لبنان لبناننا “وطنا نهائيا لجميع اللبنانيين”. وعندما تتكلم هذه الجبهة يجب المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة واتفاق الطائف. إن تنفيذ القرار 1701 وحده لا يكفي فيجب تنفيذ القرار 1559 أيضا. فالقرار 1701 يهدف إلى توفير السلام على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وتراجع القوى المسلحة لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني. ولكن السؤال الكبير ماذا عن السلاح شمال هذا النهر؟ والسؤال الثاني ألم نكن نحن في القرار 1701 عندما نشبت هذه الحرب؟ لذا الإصرار على تنفيذ القرار 1559 لأن هذا القرار يهدف إلى إرساء السلام والاستقرار للبنان كله. هذا القرار لا يعترف بشرعية السلاح غير الشرعي لا في جنوب لبنان ولا في شماله. أنه يطلب تجريد السلاح من جميع الفئات اللبنانية وغير اللبنانية، وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. لقد آن الأوان لنعترف بأن حصرية السلاح هي البوابة لبناء الدولة وتثبيت السلام. دونها لن تقوم الدولة ولن تقف الحروب.
ونقول لا للحرب. محدودة كانت أم شاملة. نصف
نحن لسنا مع “أي رئيس”. ونقول لا لرئيس من اتباع حزب الله. يريدون رئيسا توافقيا ولكننا لا نعرف ما هي الصفات التي تجعل من الرئيس رئيسا توافقيا. نحن بحاجة، بل بأمس الحاجة، في هذه المأساة التي يعيشها لبنان إلى رئيس قائد ينشلنا من هذا القعر الذي نحن فيه. نريد رئيسا “لبنانيا” يقدس الأرض ويكون ولاؤه للبنان مطلقا، كما يكون شعاره ” لبنان أولا، وثانيا، وثالثا”. كان سيد المقاومة، رحمه الله، يقول “لن نقبل برئيس يطعن المقاومة في الظهر”. أما نحن فنقول “لا نقبل برئيس يطعن لبنان في الظهر” كما طعنه بعض الرؤساء .
وبالطبع لا نريده صداميا يقودنا إلى الفتنة الداخلية. نريده أن يكون صلبا في لبنانيته ولكنه قادر على الحوار مع جميع الفرقاء، وقادر على جمع اللبنانيين، كل اللبنانيين تحت راية الولاء للوطن.
ونقول لا لهيمنة الحرس الثوري الإيراني على القرار اللبناني. وها قد نجحت إيران بإلغاء الدولة اللبنانية وجيشها، كما نجحت في إقناع دول العالم أن لبنان أصبح ولاية في إمبراطورية ولاية الفقيه. ولكن الحزب يجب ان يعي ان المسؤول الأول لانهياره وتكبده هذه الهزيمة هو إيران. من هنا نطلب من حزب الله أن يقوم بمراجعة عميقة وصريحة لما حدث، ويحوّل الهزيمة إلى إنجاز تاريخي كبير. يكون هذا الإنجاز بفك الارتباط مع إيران والعودة الى لبنان، العودة إلى الدولة والانطواء تحت سقفها؛ وبالتخلي عن المشروع الإيراني في الشرق والالتحاق بالمشروع اللبناني وهو بناء الدولة. نجرؤ هنا لنقول إنه عبثا نحاول بناء الدولة والوصول إلى الاستقلال والسيادة إن لم نرفع الهيمنة الايرانية عن لبنان. نحن لا نريد العداء لإيران. نريد فقط أن ترفع يدها عن وطننا.
يقول جبران ” إن الألم يحرركم من قشور كم”. خمسون سنة من الألم ولماذا لم يحررنا هذا الألم بعد من قشورنا؟ تعالوا نرتفع إلى فوق. نرتفع إلى لبنان.
هذا اللبنان هو من نحن ومن نكون. وبالرغم من كل المآسي والآلام، سندافع عنه حتى الثمالة. سندافع عنه لأنه ان مات، سنصبح كلنا أمواتا.