من لبنان إلى المانيا و تركيا و سوريا وقبرص فأستراليا فصول بين الهجرة والتهجير تستحق القراءة
صحيح أنها عانت كثيراً بين الهجرات والتهجير، يصحّ فيها القول أنها”نجمة الزمن الجميل في المسرح المهجري في أستراليا”. فهي شاركت في الأعمال المسرحية في سدني ابتداء من مطلع التسعينات، استمراراً لموهبة فطرية مطعّمة بجرأة وثقة بالنفس كبيرة، بدأت على مسرح المدرسة في خمسينات القرن الماضي بحضورها المميّز وأدائها ، فهي بدأت التمثيل في المرحلة الإبتدائية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة في الجية ، وكانت كل سنة تشارك في عمل مسرحي لتكمل مسيرتها بين لبنان وأستراليا.
ولدت هند قزي في دير القمر لأن والدها شكيب القزي كان دركياً ومركزه في دير القمر. وفيها تابعت السنة الابتدائية الاولى قبل ان تعود مع العائلة الى الجية حيث كان والدها بنى بيتاً على أرض ورثها من حماه حنا مسعود القزي من المعنية.
أنهت هند السرتفيكا لدى راهبات العائلة المقدسة في الجية ، قبل أن تنصرف الى تعليم الاولاد عبر دروس خاصة في المدرسة الصيفية في إحدى غرف مدرسة مار شربل.
تقول هند:» في إحدى السنوات كان المطران انطونيوس خريش مدعواً لحضور مسرحية «الملاك جبرائيل» وكنت أقف أنا وأدال مسعود البستاني الى جانبَي المسرح وكان خريش يعتفد أننا تمثالين وأثناء القداس وعندما كان يرفع القربان، تحرًكنا أنا وأدال ، فارتعب المطران، وكاد القربان يسقط من يديه، وقال للأخت ماري مادلين البستاني:” هل هؤلاء تماثيل أم بشَر؟ أنزليهم بسرعة ولا يجوز أن يقفوا خلف القربان».
سنة 1973 شاركت هند في مسرحية «ضاعت الطاسة» من إخراج نجم القزي على مسرح راهبات العائلة المقدسة في الجية. وسافرت مع باقي الممثلين وعرضوا المسرحية في استراليا أكثر من مرة وكان زوجها عطالله مشاركاً في المسرحية.
شاركت هند في رحلتها على المسرح في بطولة أكثر من 15 مسرحية بين لبنان وأستراليا، وهي تعرب عن افتخارها بالحالة المسرحية التي شكّلها المخرج نجم قزي إنطلاقاً من الجية وصولاً الى استراليا حيث أوجد بيئة فنية شجّعتها على الانخراط في أعمال مسرحية كثيرة فيما بعد.
ومن المسرحيات التي شاركت فيها هند قزي الى جانب « ضاعت الطاسة»:
« يا أرض انشقّي وابلعينا» سنة 1993 ، «صرعة ومرعى» سنة 1994. “أوتيل الست منتورة” سنة 1994 ، قصة وإخراج غسان الحريري،تمثيل عباس مراد، هند قزي، سوزان حوراني، منير شحاتة، فاروق ملحم، ميشال تابت، أمال الرفاعي، والباكستاني عبد الوهاب شاه، والأندونيسية شاسيش جاغي، والهنديان: شابنام دفاتول، وجاسرين سيدهو
«ديك وخمس دجاجات» سنة 1996. «يا ريتو ما مات» سنة 1999 . «يا ريت ما خلّفتونا» سنة 2010. ومسرحية «من الدلفة لتحت المزراب».
وتعاونت في معظمها مع الكاتب المسرحي والمخرج غسان الحريري، ومع المخرج عباس مراد وغيرهم كثيرون.
ومن الفنانين الذين شاركتهم التمصيل :هشام رشيد، خليل عيسى، احسان حدارة، عبد الرحيم صالح، ايما السمان، الزميل بطرس بشاره والممثل الصيني يانغ لي.
محطّات
تزوّجت هند من عطالله القزي قبل أن تكمل السادسة عشرة عن طريق الخطيفة وتكللت في بيت شباب.
وكان من المقرّر أن يتزوّج عطالله من شقيقة اليس زوجة اخيه مخايل فريد التي كانت تنتظره بالفستان الأبيض، لكن بتشجيع من شقيقتيه وطفى ومريم وشقيقه الياس تزوّج من هند. ولم يكن أهل هند يعلمون انه كان سيتزوّج من فتاة أخرى قبلها
وتقول هند انها تعرّفت الى عطالله قبل أيام قليلة من إكليلها.
وأضافت أن عطالله كان «يحكي» مع بنت من آل عيد التي ظلّت تتردد الى الجية إلى أن قيل لها :» لقد تزوّج عطالله ولا لزوم أن تأتي بعد اليوم».
في مطلع السبعينات حصلت هند على رخصة قيادة تاكسي هي وعايدة مخايل القزي.
وفور حصولها على الرخصة قررت أن تقف في موقف التاكسيات في صيدا، وأوقفت سيارتها بالصف بانتظار دورها، ولم رآها الركاب أحجموا عن الصعود الى التاكسيات الأخرى التي أمامها وكانوا ينتظرون أن ياتي دورها ويصعدوا معها، فغضب سائقو التاكسيات الآخرون وتقدموا منها غاضبين وهم يضرخون:
“ إمرأة بتسوق تاكسي ، ما بيصير مش معقول؟! . وسرعان ما ابتعدت هند بسيارتها وكان معها ركاب الى وادي الزينة، انزلتهم ولم تعد الى صيدا بعد ذلك اليوم..
وبعد فترة طلبت منها راهبات العائلة المقدسة في الجية أن تأخذهن « مشوار» الى سوريا، وعبرت هند الحدود بسيارتها دون أن يوقفها أحد، وفي طريق العودة أوقفها الحاجز السوري وطلب منها الأوراق، ولما لم يجد ختم تصريح الدخول عليها، سألها : «كيف دخلتِ» ، أجابت :» مررت ولم يكن أحد على الحاجز فتابعت طريقي».
وفي حادثة أخرى في مطلع السيعينات أيضاً، اتصلوا يوماً بهند ، وقالوا لها «أن سلفك مخايل قلبه يؤلمه»، فأخذته هند الى مستشفى باسيل في صيدا الذي طلب منها ان تنقله فوراً الى الجامعة الاميركية في بيروت. وهناك منعوا عنه الكلام وبقيت معه هند ثلاثة أيام وهو لا يتحدث، وعندما فتح عينيه قال لها:» يا زوجة أخي ماذا ستقولين لي إذا متّ»؟. قالت له «لن تموت» وعندما ألحّ في السؤال وبدأ يشتمها، قالت، سأقول:” هنا يرقد من حفر قبره ب…” وبدأ يضحك بصوت عالٍ.. وجاء الطبيب على صوته ودخل الغرفة وهو يقول:” لَه لَه لَه.. ماذا قلتِ له”؟ وخجلت هند أن تعيد ما قالته لسلفها!.
والحادثة الأهم كانت في تركيا، في طريق العودة من ألمانيا، فمن المعروف أن الكثير من أبناء الجية كانوا يذهبون الى المانيا ويشترون سيارات مرسيدس ويعودون بها عن طريق البر مروراُ ببلغاريا وتركيا وسوريا. في طريق العودة في إحدى الرحلات وكانت مجموعة من أبناء الجية عائدين كل بسيارته ، بينهم هند ومخايل فغريد وبطرس توفيق القزي ويوسف القزي ( السفير). تقول هند: « على الحدود التركية السورية استدعوني الى سيارة سلفي مخايل وقالوا لا ندري ما اصاب الرجل ولحق بي الآخرون بسياراتهم وفي الطريق طلب مني جندي تركي أن اوصله الى مكان قريب ، وعندما ترجّل من السيارة قال لي:» هذا الرجل تنفّسه غريب:» علماً ان سلفي مخايل كان قد أسلم الروح، لأن الطبيب الذي استدعيناه اخبرنا بذلك. وقال خذوه الى بيته.. وعلى الحدود السورية، أوقفنا الحاجز وكنت أقود السيارة، فاحترتُ أولاً ماذا أقول للعسكري، الى أن قلت له أن الرجل نائم لأنه مريض وهو زوجي، وهكذا وصلنا الى الجية وسلفي مخايل جثة هامدة.
كانت أنجبت هند أربه بنات: ماغي وريما وجلنار وماري.
وكانت مع زوجها عطالله وبناتهما جزءاً من الذين عانوا على دروب التهجير، فسنة 1975 هاجرت العائلة الى ألمانيا بعد حصولها على تأشيرة لجوء، فقدمت لهم الدولة الألمانية منزلاً وخصّصت لهم معاشاً، وكان يودّون البقاء هناك، ولأن عطالله خرق قانون اللجوء وسافر الى لبنان، طلبت السلطات الألمانية من العائلة إخلاء المنزل والعودة الى لبنان، وهكدا كان ، وبعد ستنين من الإقامة في ألمانيا عادت العائلة الى لبنان.
وفي تهجير سنة 1985 ، مع سقوط الإقليم تهجّرت العائلة الى الشريط الحدودي أولاً ، قم نقلوها مع عائلات كثيرة عبلا البحر من حيفا الى جبيل.
وبين مسرحيات الواقع المأساوي ومسرحيات الفن، بقيت هند قزي نجمة كل الظروف والأمكنة بحضورها المحبّب وجلساتها المؤنسة بشهادة كلّ معارفها.
التقيناها في منزلها في باراماتا- سدني يوم الخميس 9 آب أإسطس سنة 2024.