سميرة عباس التميمي

كنتُ صغيرة عندما اخبرتني أمي في اليوم الثاني من إستيقاظي, إنه بينما كنتُ نائمة ليلاً, قمتُ فجأةً من النوم وإذا بي وأنا نائمة أتكلم بصوت عالٍ « أين الملك « وفي نفس الوقت أبحث عنه تحت السرير .

فسالتني أمي, ماذا كنتُ أحلم, فأجبتها ببراءة « لاشيء “ !!
لحد يومنا هذا لا اجد تفسيراً لحلمي الجاد , واقول حلم جاد, لأنه على رغم صغر سني, نهضتُ من فراشي , وانا نائمة لأبحث عن الملك !

لربما هو تعبير عن حياة سابقة في زمنٍ ما , أو نبوءة عن المستقبل !؟ أو الشعور الداخلي نحو نفسي
كملكة أو اميرة . وهذا البيت الدافىء الذي كنتُ أعيش فيه, رائحته المتميزة, الشمس التي كانت تشرق
فيه والهواء الذي كان يمر فيه . وعصافيري وقططي وورود حديقتنا واشجارها, كيف لن تخلق مني ملكة أو اميرة .

وتلك الموسيقى والأغاني التي أسمعها وذلك الإيمان بالخير والطيبة . كلُ من كان ياتي لبيتنا يقول لأمي ما هذه الرائحة الطيبة في بيتكم !؟

كانت أمي والرعاية الإلهية تُجنبنا التجارب الصعبة والمحرجة في الحياة, فأخطو في الحياة بسعادة
لا مثيل لها . لإكتم سعادتي من الناس تجنباً للغيرة والحسد .
ثم جاء دور قصة الأميرة النائمة, سندريلا, ذات القبعة الحمراء, وحزمة المعدنوس والتي أعتبرها الأساس لبناء طفولة سعيدة وقويمة. أنجذبتُ لصور قصصها, والشعر الأصفر الذهبي لبطلاتها, والعينين الزرقاوين والخضراوين, وقد خاب ظني بعض الشيء عندما رأيت قطر الندى بشعر أسود,

ولكني عندما كبرت وجدتُ في الحياة كم من الفتيات بشعر اسود فاحم ولامع يثير الإعجاب . فبدأت أتقبل المختلف الجميل الشكل والروح .

كل هذه القصص كانت تُغذي مخيلتي الطفولية, فكنتُ أحلم بفستانٍ مثل الأميرات وإذا كان شعري متوج
بتاج يكون أفضل لي .
بينما كان إبن جارنا يقول لنا ونحن أطفال, أن نتأمل نجوم السماء, لأنه فيها حياة !

فأتمنى أن أعيش فيها حتى المع مثلها تماما, ًكنا وشقيقته نجلس على طابوقة إسمنتية امام منزلينا , عندما تنطفأ الكهرباء بسبب الحرب العراقية – الإيرانية , فيحدثنا اخيها عن النجوم وامور السماء !!.

ثم جاءت الأفلام المقتبسة من هذه القصص الرائعة, لننسحر بإجواء القرون الوسطى, والأميرة والأمير وقصة حبهما واحزن بروحي الطفولية, كون المحيطين لا يدعونهما أن يتزوجا, رغم جمال الفتاة !
وموسيقى هذه الأفلام , أندمج معها وكانت مشاعري, تتصاعد مع الموسيقى المرافقة لأحداث الفيلم ,
فتشد كل حواسي وتتسع عينايّ للحدث المرتقب إن كان مواجهة, أو قتال . لإندمج بعدها برقص الأمير
والشابة والجنيات فرحات بهما وهن يغيرن من الوان فستانها بعصاهن السحرية .
فأتمنى أميراً كهذا شجاعاً ووسيماً ورجولياً ليجعلني أميرة في حياته وحياتي .
كان إعجاب الشباب بالفتاة في القرون الوسطى فعلاً يُثير الإعجاب, فإذا ما أعجب إثنين بفتاة واحدة
كانت المبارزة الحد الفاصل بينهما لكسب ود وحب الفتاة الحسناء .

هذه البيئة الرومانسية الحالمة اثرت في تكويني , ناهيك عن طبيعتي وشخصيتي التي ورثتها عن والديّ , لأجد نفسي كياناً وطبيعةً وسط أميرات وملكات شارل بيرو
هذا الأديب العبقري, لأن مخيلته كانت واسعة, كان يستوعب كل حدث يراه في الحياة والطبيعة أو يقرأه في كتاب بكل حواسه ومداركه ليكتب لنا هذه التُحف الأدبية المليئة بالحب والدروس والعبر والجمال والإصرار .

هذا الأديب يستحق بجدارة جائزة نوبل في الآداب, للغته الرائعة المتسلسلة برشاقة في السرد والوافية
المعنى والحدث, والمعاني التربوية النبيلة التي تحملها قصصه .

في الوقت الحاضر, إختلفت المعايير في طلب يد الفتاة, أو التودد إليها فبدت هي من تأخذ المبادرة
وتخطب لنفسها. فبعد إنفتاح أوروبا الشرقية نحو أوروبا الغربية وأميركا, اصبحت المرأة تأخذ
الميكروفون وتعبر عن إعجابها أمام الملأ وتطلب يد الحبيب للزواج !!

عصر التكنولوجيا يجب أن لا يُنسينا رومانسية المشاعر, بل هذا العصر عليه أن يُسهل الجمع بين الحبيبين, والحروب أزهقت أرواح الكثير من فرسان شارل بيرو وماتت الكثير من أميراته !

فلماذا نمنع ما يتمناه كل إمرىءٍ لنفسه من الحب والزواج والأسرة السعيدة المتوجة بالأولاد .

وهذه الموديلات الجديدة التي تُفرض نفسها بكل وقاحة في المجتمع, بأن تضع بعض النساء لاصقاً على شفتيها أو فيلرلتبدو اسمك كأنها بطة ! أو ترفع المرأة يديها الى أعلى مثنية الساعدين بوجه المقابل كأنها تريد أن تصارع كل من تراه أمامها كالرجال تماماً !

في قصص شارل بيرو, جميع الأمراء أعجبوا بالأميرات لجمالهن الطبيعي, ورقة أنوثتهن ودماثة
خلقهن, ووفاؤهن للحب والحبيب, فلهذا توج حبهم بالزواج السعيد .
إذن الحياء ليس عيباً في العصر الحديث, والزواج بين الطبقات الإجتماعية المختلفة ليس عيباً, طالما
هناك تكافوء فكري وثقافي . العيب أن تُبنى حواجز من الأفكار البالية والتطرف الناتجة من الجهل أو الطمع .

ومن يقف كالساحرة الشريرة في قصة الحسناء النائمة, بوجه الحب والإرتباط المقدس, ينال جزاءه .

كم وددتُ لو كتبتُ قصة للأطفال بمستوى قصص شارل بيرو وتكون مُكملة لها, لأنه فقط نبلاء الروح يتحسسون أعماق الحب ويبحرون في جمال الطبيعة والبشر والكون والخليقة. وأنا أهلٌ لذلك .