منى صقر التي عاشت أياماً سوداء في غزّة:ما يعانيه الغزاويون يفوق كل تصوّر

أقول أحياناً : انه كان أسهل عليّ البقاء قرب أهلي هناك على أن أبقى مشغولة البال هنا

لدى إندلاع المعارك في غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان قد مضى على وجود الناشطة الاسترالية الفلسطينية ومديرة مدارس الأقصى في سدني منى صقر ثلاثة أشهر في قطاع غزة مع ما حملته من معاناة ومشاهدات قبل ومع خروجها من القطاع عبر معبر رفح.
منى صقر تقول ان انطباعات كثيرة تغيّرت لديها بعد زيارتها الأخيرة الى غزة، وأنها محبطة من أمور كثيرة وجدتها ولمستها وأن الدائرة تدور على السكان العاديين.
سردت منى للتلغراف جزءاً مما يعانيه الغزاويون كل يوم وفي بعض المحطات كانت عيناها تدمعان من شدّة تأثرها، وهي قالت:
“وصلت الى غزة في 24 تموز/ يوليو 2023 لحضور مناسبة عائلية وكانت الأجواء هادئة: نهضة عمرانية، معارض دائمة وأبراج، شاطئ جميل وسهرات حتى الصباح”.
عدتُ الى غزة بعد إنقطاع تسع سنوات، نزلتُ في فندق في شارع الرشيد المطل على البحر، وهناك عشتُ أجواء غزة الحقيقية.
في 6 أكتوبر، كنا نحضر فرح أحد الأقرباء وطالت السهرة الى ما بعد منتصف الليل، وعند إستفاقتي صباح اليوم التالي وجدتُ الأرض تهتز تحتي وسمعتُ أصوات الإنفجارات والصواريخ ورأيت خطوطاً بيضاء تزنر السماء، فاتصلوا بي من إدارة الفندق طالبين مني البقاء حيث أنا.
إتسعت رقعة الحرب ولم نعد نستطيع التحرك والإنتقال الى أي مكان. حتى البقاء في مكاننا لم يكن آمناً، وإزاء شدة المعارك واتساع رقعتها أدركنا انه لم يعد هناك مكان آمن في غزة.
وشعرت ان هذه الحرب لن تكون كسابقاتها لأنني شهدت حرب سنة 2014 يوم كنت أزور القطاع.
بعد خمسة أيام من الخوف والرعب، طلبوا منا مغادرة الفندق والتوجه الى الجنوب حيث المشهد يصعب وصفه: نازحون، كبار وصغار ، أطفال يبكون وسيارات تحمل كل واحدة بضعة عشر شخصاً.
وصلنا الى بيت غير صالح للسكن في دير البلح، جدرانه مشققة وحوله تسرح الحيوانات الأليفة.
ثم اتجهنا الى منزل آخر لأحد الأصدقاء في خان يونس وكان أصحابه المقيمون في استراليا مشكورين وطلبوا مني أن نقيم فيه، فأقمتُ فيه مع أخي ثلاثة أسابيع، ولم أكن على تواصل مع أقربائي رغم قرب المسافة بيننا توجهت عدة مرات من السابعة صباحاً حتى الرابعة بعد الظهر الى معبر رفح بانتظار الخروج من غزة، لكنهم كانوا يمنعوننا، إزاء ذلك وبعد تكرار المحاولة ، فقدت الأمل الى ان جاءتني رسالة من أحد الأصدقاء تقول: «توجّهي الى المعبر”.
وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، توجهتُ الى معبر رفح البرّي وكان الإنتظار صعباً مع الشوق لرؤية عائلتي والحزن على الذين يعانون في غزة.
وبمساعدة الحكومة الاسترالية خرجنا (31 شخصاً استرالياً) وأوصلونا الى القاهرة بواسطة الباص وأبدوا إهتماماً كبيراً بنا. وبعد ثلاثة أيام من العلاجات والتحاليل بسبب سوء صحتي غادرت القاهرة مع ثلاث عائلات استرالية. وكنا كلما نسمع الأخبار نبدأ بالصراخ والبكاء، حيث سقط 25 شخصاً من عائلة واحدة من أقاربنا وبعدها تلقيت نبأ استشهاد أخي وزوجته وأصيبت إبنتهما شعرت بقسوة الحرب اكثر واشتدت على اهل غزة ففي كل بيت مصاب أعانهم الله على قسوة حياتهم.
ومن خان يونس والنصيرات الى رفح حيث كانت العائلات ما زالت تحاول الهروب، واليوم عاد الناس أو بعضهم من رفح الى دير البلح وراحت كل عائلة تشتري الخيم لتنصبها في مناطق غير صالحة للسكن لكن ليس لديهم سوى القبول ليحموا عائلاتهم وأنفسهم
إنها مأساة لا توصف، كنا نصحو طوال الليل بسبب القصف، وعند الصباح يصيبنا النعاس ونحن نتنشق الدخان الأسود ورائحة البارود والفوسفور وكنا ننتقل في خان يونس لشراء الحاجيات على عربات تجرها الحمير.
وعندما تم تفجير برج فلسطين في حي الرمال حيث يوجد منزلي تضررت المنطقة بكاملها ولم يعد هناك ماء للشرب او للغسيل.
وصلت الى استراليا في 7 نوفمبر، ومنذ وصولي وأنا أعمل على مساعدة المؤسسات التي تعمل على إغاثة أهل غزة، وشرحت في وسائل الإعلام حجم المأساة ، وكنت أقول أحياناً انه كان أسهل عليّ البقاء قرب الناس هناك على أن أبقى مشغولة البال هنا.
في شهر نيسان/ أبريل الماضي، وصلت شقيقتاي مع عائلتيهما الى استراليا، أما شقيقاي فرفضا الخروج من غزة رغم كل ما حل ويحل بها وهم موجودون اليوم في مناطق تسمى الوسطى»
وتضيف منى: هذه الحرب هي حرب قهر رجال الذين فقدوا أعمالهم وآمالهم ومساكنهم و أفراد من عائلاتهم . إنهم يتحملون المشقات حتى في الحصول على الطحين والماء وابسط المستلزمات
من المؤسف ان أضطر للقول ان المؤسسات التي تقوم بإيصال المساعدات هي في معظمها غير عادلة لأن الكثير من الناس لا يصلهم شيء.
ففي غزة من يمرض لا يفكر في الذهاب الى المستشفى، ومن يرى البناية تسقط أمامه لا يستطيع أن يعود الى وضعه الطبيعي.
كانت أقصى مراحل السعادة لدى الشباب الغزاويين أن يحتفلوا بأعراسهم أو يقضوا سهرة على الشاطئ أو يمضوا وقتاً على الإنترنت أو يحضروا فرحاً لأحد الأصدقاء مع زمامير وسيارات في الشوارع.
لكن بعد 7 أكتوبر تحولت الأحلام الى كوابيس حيث رُمِي الشعب في حفرة قاتلة ولم يجدوا لهم من معين غير الله .
فهل يعقل ان نبقى 8 أشهر كلاماً بكلام دون أية حلول؟
للأسف كلهم يعرفون وقت الحل وكيفية الحل ولكنهم يتركون الشعب يعاني المزيد من المآسي.
المهم أن غزة اليوم كتلة نار ودمار وأهلها يعانون القهر والإنتظار يناشدون الضمير العالمي، والعالم يصرف أبصاره عنهم»؟!.
منى تعيش كابوساً من الهمّ والحزن والقلق، لأن فكرها وقلبها لا يغادران قطاع غزة ولأن أهلها هناك يعانون ما لم يعانِه أيّ شعب.