المهندس نقولا داود – سدني
هو المجنون ، والحكيم،
جاري الذي ابيضت بقايا شعرات رأسه ،
وشحذ الزمن همته وشغفه ليصبح اكثر تشبثا بقناعاته،
وصرت اتتبعه لجمع بقايا الحكمة ،
وقد تخلص من شهواته بفعل تقدم العمر،
وتراءى لي صافيا كثلج الجبال،
قريبا من الموعد مع الله كمن ينتظر دوره في عيادة الطبيب.
اتبعه الى ضفاف الاودية ،
أراه يمتع النظر بالازهار والورود ، ولا يقطفها،
ويعلل ذلك بالقول : لعلها تشعر بالألم ،
قطاف الازهار ينتمي الى الماضي،
وكذلك قطاف الحب والتضحية ،
ما تحبه لا تقطفه او تقطعه هكذا يقول،
انت تزرع المرأة في قلبك ولا تقطفها بفعل غريزتك،
وتزرع العلم في عقلك لينمو ويزيد،
لا لينتهي في الخزنة كجوهرة مخبأة ،
وتزرع التضحية في دنياك لا لتستهلكها غرورا،
بل لتصبح التضحية ثقافة عامة معاشة ،
تزهو في قلبك وتكبر .
ماذا ترى في الأودية ايها الحكيم؟
أرى كيف ان المياه تحفر الاخاديد،
واتعلم الصبر لحفر الحقيقة في سهول المجتمع،
واتعلم ان الخير القليل الذي يشبه الماء هو في طريقه الى الخير العام،
اي النهر الاكبر المتدفق بصدق وثقة الى البحر الجامع الاكبر ،
والبحر يرسل بخاره الغير منظور،
ليكلل الجبال من جديد بثلوج بيضاء نقية،
وما الناس الا نقاط صغيرة من الماء في هذه الدورة العظيمة،
وكل ابداعات البشر الموسيقية لا ترتقي الى تغريد حسون فرح بالربيع،
وطير السنونو يسخر من كل المتسابقين على الارض،
وسجادة الله البديعة تتفوق على كل حياكة للناس، وتستفز طموحاتهم.
وماذا يعني لك هذا اليوم ؟ يوم الجمعة العظيمة ؟
يعني الحقيقة الواضحة،
حيث يفضي الألم قيامة ،
والصلب ينتهي بتتويج المصلوب بإكليل المجد الأبدي،
والحب الحقيقي لا يعترف بالألم ،
والثقة بالنور والفجر القادم التي تبدد العتمة والليل والظلام،
لعل الأزهار الحمراء اخذت جمالها من دم المصلوب،
لعل ذلك الألم الذي تمادى غيا لثلاثة ايام ،
أعطى حبا ولهفة وتغييرا جذريا لألفي سنة .. ولن يعرف النهاية.
ولماذا انت متجه الى ضفة النهر الهادر؟
وماذا ستفعل بتلك الخشبة التي تحمل؟
سأقف على ضفة النهر الذي يجرف حضارة بلادي وشبابها،
ربما أستطيع ان أجمع على الضفاف بعض بقايا تلك الحضارة،
ربما أجمع بعض معاول الفلاحين ، وأقلام النهضويين،
وربما أنقذ بالخشبة شابا واحدا تائها في المياه ولا يؤمن بنهاية المعاناة،
وأجعله يقف معي لنتساعد ونتعاون على إنقاذ المزيد من شباب امتي.
وماذا ستحمل معك في عودتك الى خاصتك؟
سأحمل غمرا من الغار الربيعي النضر وأصنع منه أكاليلا خضراء ناعمة ،
وأهديها للمرضات والمعلمين،
وسلة زهور من البلسم ، أجففها ،
واتعاون مع أطفال الحارة لصنع بلسم الجروح،
وأعيد الكرة مرات ومرات،
لتصبح صناعة البلسم حرفة ومهنة متوارثة،
وهي الصناعة الاقرب الى قلب المصلوب ،
وكل محبيه على مدى التاريخ .. وتتابع الاجيال.