النّهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعُوَان الدّيوان الشّعريّ للأديبة الأستاذة أمان السيد
كتبت أمان السيّد
هو ضيفنا الليلة، وسنحتفي به معكم.
بذاك قدمت السيدة بدر الدين باقتدار وتمكّن لاحتفال توقيع ديوان الأديبة الأستاذة أمان السيد ليلة السابع عشر من إبريل، سبقها السيد فادي الصديق بكلمات تضمنت ترحيبا خاصا منه بالإنكليزية التي عكست قوة حضوره الأكاديمي وتقديره للأديبة، لتتابع السيدة سو بدر الدين التقديم باللغة العربية، ولتستقبل حضورا نوعيا اجتهد فيه أساتذة كبار ليقدموا قراءاتهم وتحليلاتهم لمضامين الديوان، وفنانون مبدعون عزفوا بأناملهم أوتار محبة شعّت وتلألأت لتمنح صالة سيتي فيو/كانتبري رود/ لاكمبا في سيدني دفئا وحميمية نادرين، واختال الفن يرافق الثقافة والأدب ليهب طقسا يليق بحضور الأديبة الأستاذة أمان السيد ذات المسيرة الحافلة بالإبداع وبالإنجازات الأدبية المرموقة.
وقد استهلّ الاحتفال بالوقوف دقيقة صمت حدادا على المدينة الفلسطينية الصامدة غزة أردف بتحية شعرية آثرتها الأديبة بصمتها التي تطوي حزنها وعجزها أمام المصاب الجلل الذي يحيق بأبناء غزة وسط تخاذل من العالم الإنساني، إلا من قبل شرفائه، وأحراره، وقدم القصيدة التي حملت العنوان» غزّة أستميحك عذرا» الفنان الأصيل المبدع قحطان حدارة، بتلحينه وبأدائه الجليل الذي خطف به قلوب المدعوين، وخضّب فيهم الحزن، ومشاعر الاستلاب، وكانت الكلمة الأولى للأديب أنطوان القزي رئيس تحرير جريدة التلغراف الأسترالية، انثالت بواكيرها شاعرية على واحد من بحور الشعر الكلاسيكي، ناغش فيها عنوان الديوان، واللاذقية مدينة الأديبة، ليأتي الخطاب المباشر باسم الأديبة محرضا جميلا على الغوص والتطواف في درر حروفها وخيالها الوثاب، كما استعار سطورا من القصائد التي حملها الديوان المحتفى به لينسج شبكة ثريت باللؤلؤ وبالنوارس البحرية وبالانغمار الجميل في بهاء، وأنسنة، وتجليات، وهزائم، وآمال ومشاعر شجي بها ديوانها الجميل.
ومما جاء في كلمة الأديب القزي قوله:
غافلي الأحلام قومي يا أمان
لملمي الأقمار قد آن الأوان
في ضفاف الشعر أنزلت حبيبا
أنت فيه نهره والأفعوان
ومما ورد في كلمته أيضا:» أمان، شاعرة تجيد الرقص مع الطقوس، فهي إن حلقت فأجنحة تسرّ في آذان الغيم ما سها عنه الناس، وإن سبرت فللأعماق في شباكها ما لم يدركه صيادو اللؤلؤ.. شاعرة مفتونة، تغزل فساتين الوقت، وتفكّ أزرار المكان لتنطلق إلى المدى الأوسع تفرد موائد السطور بنضارة نتاجها المشرع على النباهة والدلالات العميقة..».
أما الأستاذ نزار حنا الديراني، وهو أديبٌ وشاعرٌ وباحثٌ أدبيّ عراقيّ، فقد ركّز في كلمته على» الأنوية الفاعلة ودلالاتها في انعكاسات المرايا المتكسرة في ديوان « النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان»، ومما جاء في ورقته النقدية تعقيبا على القصيدة التي حملت عنوان الكتاب:
«ذاك النهر هو حبيبي تتريا فروعه وصدره،
وصدره وعنقه بالشهوات والحكمة،
هو أنا……
حين استدعي العالم المثالي إلى بساتيني
لا أجد مكانا لي
إلا في أحلام البائسين».
يقول الأستاذ الناقد:» من هنا يتبين مدى التصاق أناها بالآخر وكأنهما وجهان لصورة واحدة، لذا تقمطت أناها الأنا الكلية لتتحول نصوصها من الغنائية الأنوية إلى النص المفتوح، وتتمرد حتى على الشاعرية لتقدم لنا نصا يتقمط الحكاية والتساؤل، وهو قادر على التأويل إلى حيث يصب نهرها، ويتوقف أفعوانها عن الجريان. نص يجرف معه ما يتلقاه من صور مبعثرة صنعتها مخيلتها النشطة، وتعكسها لها مراياها المهشمة…..».
أما الطبيب الجراح العراقي «مصطفى علي» المُكرَّم بقلادة الإبداع، والجائزة الأولى من منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي في مهرجان الجواهري التاسع، فقد ارتأى أن يقرأ قصيدة «تين الأنثى» من ديوان الأديبة انتقاها معقبا:
« إنها تحمل من الجرأة والتمرد والمزج بين مشاعر الأنوثة، وقهر الوطن ما يبعث على الدهشة والتساؤل، ويدفع إلى التوهان في أغوار المعاني ودلالاتها، رغم أن الأديبة السيد بطبعها محافظة..» وقد استطاع الطبيب المبدع بإلقائه المعبر أن يجذب أسماع الحاضرين ويشوقهم على قراءتها.. أقتطف من «تين الانثى»:
« الوطن
الانسحاق، الطغيان، السلاسل، السجان،
وشهوات الرقاد.
أحلام كوابيس مقيتة،
كيف لي ألا أشهق
حين يمر بي نسيم الياسمين، وعندلات العندليب؟
أيها الذكر الكثيف الشهوات/ لا تتقهقر مهزوما بالسخط
ستكون وليمتي المشتهاة……»
أما الورقة النقدية الأخيرة حول الديوان الشعري، فقد قدمها الشاعر المبدع «شوقي مسلماني» رئيس تحرير مجلات / الرابطة/ الدّبور/ أميرة/ والذي له إصدارات وترجمات متنوعة نذكر منها « أوراق العزلة/ حيث الذئب/ أنطولوجيا الشعر الأسترالي بعنوان «عندما ينظر الله في المِرآة»، وقد جاء فيها:
«أمان السيد في إصدارها الشعري الجديد مسكونة بالتمرد والدعوة إلى الحرية وإلى الانعتاق المطلق من كل ما يعيق تقدم الإنسان عامة والمرأة خاصة، وهي هنا تشع زهورا في سفح قرية منسية لا تعيقها ألوانها الرقيقة، بل هي التي توغل في الأصل والأبد.. تقول الشاعرة:
«أنا من أهب الموسيقى بهاءها/ أنا من يهب الرقص حياته/»
فهي الأنثى الساحرة وهي الفراشة التي تتدافع إليها الأحلام…
أما الأديبة أمان السيد، فقد خصت بإهدائها ديوانها مدينة سيدني التي تقول إنها «جرأتها على الانطراح في العالم الإنساني معرّاة إلا من الروح» ومما جاء في كلمة الأديبة:
« ولطالما سئلتُ لماذا تأخرت في نشر الشعر وأنت التي تحتفين به في المناسبات، وعلى المنصات الأدبية، ليأتي جوابي، أني لم أؤخره، بل هو الذي اختار موعده للتدوين وللتوقيع الليلة وفي سيدني بالذات، شأنه شأن قرار نتخذه حين نشعر أن مخاضه لم يعد يحتمل بنا انتظارا أطول، وقد حُفّ قبلها بالإشارات والرسائل خفية، وظاهرة، وها هو كتابي الشعري السادس ترتيبا بين إصداراتي، يأتي وقد استنار الطريق، واختار قصائده، ونسقها وأودع غيرها طيات خزانة ما تزال تثرى به إلى موعد آمل أن يأذن له قدر آخر في حياتي». ووصّفت الشعر بأنه» ليس مساحة ضيقة تسكب فيها كلمات منمقة ورؤى تظنها عملاقة. الشعر أكبر منك ومن الآخرين، إنه روحك، وأناك، روحي، وأناي التي تخصني، وأنا الآخرين، وأنا ذرات الكون وكائناتها الخفية.. أنا الهياكل المحسوسة والمنظورة، وغير المحسوسة وغير المنظورة، وما يختال ويسري بينهما، إنه حكمة القدرة، وهو منابع النور، والاجتهاد، وهو سعادة المحروم، ونقرُ الأعماق على باب الأبدية المشرع لمتلقّف شغف الالتقاط، وثري الهطول..» ثم إنها ربطت تاريخ السابع عشر من إبريل بذكرى بغيضة قطّعت أوصال وطنها الذي ابتليت بعشقه، وعشق إنسانه، وأملت لوطنها بالخلاص الذي يليق به، وتقمصت وصية الشاعر الداغستاني» حمزاتوف» الذي أوصى أن يحمل كل إنسان أغنيته/ وطنه/ أينما ذهب لترى نفسها قد حبيت بذاك الولاء والوفاء باكرا قبل أن يأتي بدافع من تربية، أو إرشاد، ليصبح هم الإنسان المقهور رديفها للحياة، ثم إنها تدع عنوان الديوان الذي بلبل تساؤلات الحضور لغزا أرادت له نهاية مفتوحة سوى من إشارات روحية ردت الفضل فيها لفطرتها التي ترافقها في مدارج تنقلاتها.
وقد طاب للأديبة أمان السيد أن تنتقي بعض قصائد الديوان لتشدو بها أمام حضورها الكريم، وخصت قصيدة « سيدني» بترجمة إنكليزية، وقرأتها بالمشاركة مع مقدم الحفل بالإنكليزية السيد «فادي الصديق».
وإذ تتوجه الأديبة بتقديرها وامتنانها إلى الحضور المتناغم، وإلى الأساتذة الأدباء، وإلى الفنان قحطان حدارة، وإلى مقدميْ برنامج الاحتفال، ومن شاركها توقيع ديوانها «النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان»، فإنها لا تغفل أن تثمّن جهدا قديرا قام به الدكتور المترجم والباحث السوري «أسامة منير إبراهيم» في ترجمة قصيدتها «سيدني»، وتتوجه بالشكر أيضا إلى العازفين الفنانين «فؤاد عزو»، و» خالد الأمير» وإلى المصورالسوري المبدع «أبو جورج» الذي لم يأل جهدا في تقديم فنه، وخبرته في تصوير الحفل، وخروجه بأبهى صورة.
أما تحية العرفان الخاصة جدا، فهي لصالة سيتي فيو كانتبري رود/ لاكمبا ممثلة برجل الأعمال السيد طوني بو ملحم.
فيما يلي عناوين القصائد التي قرأتها الأديبة في احتفال التوقيع، مصحوبة ببعض من سطورها الشعرية:
« ويبحثون عن الخرافة»
/الخزامى.. اللافندر.. الأقحوان..أوز البحر.. الريحان.. السوسن.. الفل.. القطن.. عباد الشمس/ نجوم الدب الأكبر/ ياسمين الصيف/ شقائق النعمان/ الخرز الملون/ عيون الأطفال/ عيون الأطفال/ رحم تتشكل من نطفة ماء.
«في حضور المَغربي»
المغربي الذي أنكروه/وأرجّح أنه مات جوعا/يعيد تشكيل الأقدام القارعة/يكثر من السخرية والضحك والبكاء/ الموتى يتحدثون بلغات وشؤون شتى/ يتشاجرون، يتمازحون/ ويسأل بعضهم» هل سمع أحدكم، أو رأى مرة واحدة، الحياة؟».
« من الذي يقرع نافذتي»
في هذا الليل الغريق/ من الذي يقرع نافذتي؟/ هل نَدف/ أم مطر يعزف وينبه الغريب؟/ لم أجد رجلا يليق بحضوري/ بصدري العاري كمقدّم سفينة/بخصري/ بمشيي النهري كخبب الفرس اليعبوب/ بحزني/ شبيه مطر ينهمر حاملا الأسرار.
«سيدني»
تحت برج ويستفيلد يطيب التسرب/ والمُطاف/فيتوهج بي الشعر/ ويباغتني الحنين/ في تاون هول أتمشى وأهرول وأركض وأكتب/ لا أخشى من قامع أو مؤول/ أو قيد يجرف معصمي إلى سجن فريد/.
« على أصابع العازف الإسباني في تاون هول»
على أنامل العازف الإسباني/ دمي الخوخ يتناثر/ أيا شقي ألا تخجل؟/ قلبي.. لوركا/ نغاشتان حمراوان/ على أنامل العازف الإسباني/ دمي الخوخ يتناثر.
*النهر أنت يا حبيبي وأنا الأفعوان
سادس إصدارات الأديبة أمان السيد
إصدار دار البيان العربي بيروت عام 2021.