شعب لبنان شعب طيب، محب، كريم و مضياف. و الضيافة هي من شيم اللبناني و من تقاليده و عاداته، أما إكرام الضيف فهو من مكارم الأخلاق ومن الخصال الحميدة التي يتميز بها الشعب اللبناني. فمن حلّ ضيفاً عليه استقبله و كرمه بالمقولة الشهيرة» يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل.» هكذا استقبل اللبنانيون السوريين الذي لجأوا الى لبنان إبان الحرب السورية هرباً من الحرب و القتل و الدمار، ويطلق عليهم تسمية النازحين، الا انهم في الحقيقة حسب مفهوم الامم المتحدة هم لاجئون. لقد استضافهم لبنان، أكرمهم، و أحسن معاملتهم. ولكن للضيافة وقت محدد، إذ عندما تطول مدتها تصبح ثقيلة و يضحى عبؤها اقتصادياً ثقيلاً جداً. هل من أحد يستضيف ضيفاً في منزله مدة ١٣ سنة؟
بما ان اللاجئين السوريين من الطائفة المسلمة الكريمة، فمن واجباتهم الاسلامية الالتزام الديني و الامتثال في حكم الضيافة في السنة النبوية كما أتت في رواية عن النبي محمد الذي كان يهتم بأمر المسلمين و يرشدهم الى التحلي بمكارم الاخلاق و محاسن الآداب. في هذا الحدث أوصى بإكرام الضيف و الجار فقال:
«مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ.
قالوا :ما جَائِزَتُهُ يا رَسولَ اللَّهِ؟
قَالَ: يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أيَّامٍ، ولا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أنْ يُقِيمَ عِنْدَ أخِيهِ حتَّى يُؤْثِمَهُ،
قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وكيفَ يُؤْثِمُهُ؟
قالَ: يُقِيمُ عِنْدَهُ ولا شيءَ له يَقْرِيهِ بهِ. ( أي لا يستطيع أن يكرمه و يقدم له شيئاً ليقوم بحق الضيافة) فَما كانَ ورَاءَ ذلكَ فَهو صَدَقَةٌ عليه، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ.»
بما معناه و تفسيره : أنَّه يَنْبغي على المسلِم أنْ يُكرِمَ ضَيفَه زَمانَ جائزتِه، وهي يَومٌ ولَيْلةٌ. ثُمَّ بيَّن أنَّ حقَّ الضَّيفِ هو ثَلاثةُ أيَّامٍ يَتكلَّفُ فيها المُضِيفُ لِضيافتِه، فيتكَلَّفُ له في اليومِ الأوَّلِ ممَّا اتَّسع له من بِرٍّ وإلطافٍ، وإتحافه بما يمكن من بر وخير ويُقَدِّمُ له في اليومِ الثَّاني والثَّالِثِ ما تيسر ولا يزيد على عادته. فإذا انقضَتِ الثَّلاثةُ الأيامِ فإنَّ حَقَّ الضِّيافةِ قدِ انْقَطعَ، والزَّائدُ عليها يُعَدُّ صَدَقةً و معروف مِنَ المُضيفِ على ضَيفِه وليسَ حقَّ الضِّيافةِ. إلا أنه لا ينبغي للضيف أن يمكث أكثر من ثلاثة ايام و يطيل الإقامة عند أخيه حتى يحرجه ويكلفه ما ليس بطاقته. فيصبح غير مرغوب به فيقوم بطرده مثلاً.
وحتى لا تكون ضيفاً ثقيلاً على صاحبك وتزداد محبته لك فاعمل أيضًا بإرشاد النبي محمد حيث قال: «زُرْ غِبَّاً تَزْدَدْ حُبَّاً». أي زر أخاك حيناً بعد حين، وليس في كل حين من أجل أن يشتاق إليك لبعد الفراق. فمن ذوقك و لباقتك أن تكون مدركاً بأحوال المضيف وظروفه المالية و الاقتصادية، كما هي الحالة المذرية التي و صل اليها اللبناني. إضافة الى ان اللجوء السوري يعتبر عاملاً أساسياً من انهيار الدولة اللبنانية.
علاوة على ذلك قال بعض الحكماء: «من سقطت كلفته دامت ألفته». وقال بعض السلف و الصحابة : «شر الإخوان من تتكلف له».
إذن حسب السنة النبوية الشريفة و هي ثاني مصادر التشريع في الإسلام، فهي بكل ما فيها وحيٌ من الله عزَّ وجل، فإنَّ « اتّباع هذه التعليمات هي فضل و أمر واجب على كل مسلم وإنكارها كُفر. و عدم وجوب اتّباعها فهو ذنبٌ عظيم يُدخل الإنسان في مدخل العصيان والكفر «. (هذا النص مأخوذ من حكم اتباع السنة النبوية) لذا من واجبك ايها اللاجئ السوري أن تلتزم بتعاليمك النبوية و بأقوال دينك و نبيك و تكون العودة الى ديارك بأسرع وقت ممكن لكي لا تكون كافراً من أهل المعاصي، خصوصاً ان الحرب قد انتهت في بلادك و أصبحت بلادك آمنة أكثر من البلد الذي تمكث فيه، و لتساعدكم الامم المتحدة و تقدم لكم المن و السلوى على أرض سوريا.
لكن لا تنسى ايها اللاجئ السوري ان تشكر الشعب اللبناني على استضافتك الطويلة، لقد أكلت من طبقه مدة ١٣ سنة. الا انك لم تحفظ له جميلاً ولم تبادله بالمثل لا بل بالعكس كافأت الجميل بالقبيح. اذ انك اقترفت لمن أحسن اليك أفظع الجرائم و نكلت به، إذ لا يكاد يمر يوماً الا و نسمع بجريمة وحشية نكراء أنتم أسيادها. أيضاً و أيضاً من واجبك ان تشكر اللبناني على تحفيزك للعودة الى وطنك الام.
هل يوجد مواطن يستغني عن وطنه، يتنكر لأصوله، لا يريد العودة الى بلده و لا يحن الى مسقط رأسه؟ أليس من أمر غريب و عجيب وضع اللاجئ السوري في لبنان؟
عودوا الى وطنكم آمنين، الى ارضكم، الى ضيعكم، الى هويتكم، الى جذوركم و تاريخكم، الى إنتمائكم الأول و الأخير. ألم تتعلموا درساً من اللاجئ الفلسطيني كيف أصبح بلا هوية و عبئاً غير مرغوب فيه في كل أرجاء العالم؟ ألم تستنتجوا عبرة من اللبناني كيف يتشبث بأرضه مهما قست عليه الظروف؟
من الاغتراب اللبناني يوجه المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم لأستراليا و نيوزيلندا برئيسه الشيخ جو عريضة و كافة أعضاء المجلس صرخة وجع و نداء أن يتوقف جميع المسؤولين و السياسيين اللبنانيين عن إدلاء خطاباتهم الرنانة التي لا جدوى منها، إذ ان الشعب اللبناني قد كلّ و ملّ من سماع أقوالهم المتكررة و ليست الا حبراً على ورق. نريد أن نرى أفعالاً ولا أن نسمع كلاماً لذا من واجبكم الوطني ان تباشروا تطبيقياً و فعلياً في تنفيذ خطة لإعادة النازحين السوريين الى ديارهم في أقرب و أسرع مهلة ممكنة و قبل فوات الاوان.
في الختام نستشهد هنا بقول أبو تمام « كم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى و حنينه أبداً لأول منزل» ألا تملكون مشاعر الحنين تجاه موطنكم الاول و ما أقسى قلوبكم؟ فمن فقد وطنه فقد هويته. عودوا الى دياركم عودوا الآن الآن و ليس غداً.
جوسلين شربل بدوي
مسؤولة الإعلام في المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم لاستراليا و نيوزيلندا