أنطوان القزي
كأن لبنان خلا من كل جميل، ومن ما يستحق الكلام، لذلك نرى السياسيين أفلسوا وفقدوا العثور على قضايا وطنية كبيرة ، ونراهم كل يوم يفتخرون ويفاخرون بانتصار في نقابة المهندسين وفرز في نقابة الأطباء وتفوّق في نقابة الصيادلة واجتياح في نقابة المعلّمين، ونحمد الله أنه بقي لدينا بعض المهندسين والأطباء والمحامين لم يسافروا، وبعض المعلمين المعدَمين والصيادلة الذين لا يجدون دواء كي يبيعوه؟!.
ونحمد الله أن السفارات لم تعد تمنح هؤلاء «فيزا» الهروب. حتى يبقوا ذخيرة للإنتصارات الوهمية؟!.
يقول الصحافي الكبير سمير عطالله:»ينحرف لبنان وينجرف نحو اسوأ وأرذل مراحل التخاطب. واخطرها ايضاً. هذا ما كان الناس يخشونه عندما يتلفظ رجال السياسة بالإهانات السوقية، حتى صرنا نغبط رواندا التي يرى فيها العالم نموذجاً، بينما نرتاح في مراتب الدرجة الثالثة على سلّم الأمم البائسة والدول الفاشلة. لم نصل فجأة الى هذه الحالة من السقوط والانهيار. مشينا خلفهم بأقدام ثابتة وأعين مفتوحة. وطربنا له، وضحكنا له، وهو ينعت أهل الوعي بعبارات لا يسمح الحياء بإعادة نشرها.
تذكّر العالم أجمع رواندا هذا الشهر. مرور ثلاثين عاماً على إحدى أقبح المجازر الجماعية
التي ملأ بها الإنسان كوكبه. 800 ألف قتيل في نزاع بين قبيلتين، التوتسي والهوتو. بالمناجل. بعد ثلاثين عاماً، تعيش رواندا في هدوء، ولا تأتي على ذكر الماضي الرهيب، وتمنع استخدام المناجل حتى في الرسوم. وعقدت معها الحكومة البريطانية.
اتفاقاً لا سابق له: أن تحيل اليها معظم الذين يطلبون اللجوء السياسي في المملكة المتحدة».
إنتهى.
ونحن في لبنان نستحضر ونتذكّر الأيام السوداء والأحداث المؤلمة «على الطالعة والنازلة»؟!.
أذكر أننا منذ ثلاثين سنة كنا نجمع المساعدات لضحايا العنف في رواندا ونبكي أحوالهم. وهم اليوم أقفلوا الباب على الماضي ورموا المفتاح..
أما نحن فكلّما دقّ كوز النكايات بجرّة العصبية ، نخلع باب الماضي ونستحضر من ما يقتل، ولا تعجبوا غداً إن وصلت الى مطار بيروت طائرة مساعدات من رواندا لجائعي لبنان مكتوب عليها:»هدية من الزولو والتوتو الى أصدقائنا في لبنان»؟!.
هل تعلمون أن الأثيوبيات فعلوها وأرسلوا طائرة مساعدات الى وطن الأرز؟!
بأية انتصارات سنحتفل غداّ حين ينصرف أبطال النقابات الى التفتيش عن لقمة تسد جوع أطفالهم؟!…