دينا سليم حنحن

بين حانوت الباروكات وبيني مساحة من المشي على قدر الرصيف الملاصق بقدمي، خُصص المحل لبيع الباروكات، للنساء اليهوديات المتدينات، وبما انني مقترنة برجل يهودي، يتوجب اقتناء واحدة منها. الرفوف مملوءة باروكات الشعر المستعار.
ابتسمت صاحبة المحل، ورحّبت كثيـرا بدخولي.
كلمت نفسي: «هل ممكن أن أضع هذه السخافة على رأسي؟ مستحيل أن أفعل!”

عدت إلى مناخ روحي المتعكر، وسألتها:
– ماذا تنتظر كل هذه الرؤوس هنا؟
سألتني صاحبة المحل المسكينة، مندهشة:
– باردو، لم أفهم!

قلت لها بتلقائية لم تعجبها:
– اشتاق إلى رائحة التبغ. هل يوجد هنا تبغ؟
– ماذا؟ تبغ! ألا تري ماذا يباع هنا؟! أنتِ أكيد مجنونة. أنتِ امرأة فاقدة العقل، أنتِ…
تركتها تشتم وتتوعد، ومضيت في طريقي حيث لا أدري. ابتسمتُ شماتة وكأني بهذه الابتسامة أستعيد بعض ثأري. فرحتُ لأني قررت التخلص من الزمن التافه، هو صنيعة تخلّف الإنسان الذي بدأ يتدخل بتوافه الأمور وأصغرها، وحتى بشعر المرأة، إن كان ظاهرا أم لا! هذا الإنسان نفسه، المشغول، أيضا، بمضاجعة كل الدقائق في حياته في قراءة كتاب يدخله الجّنة.
شعرت بغمامة ثقيلة تعبر بتثاقل فتستقر في مخيلتي، صوت خفيّ دوّى داخل عقلي، عوى داخلي كذئب شريد.
قلت في نفسي: «أمضي أو لا أمضي؟”
لم أنتظر الجواب، أكملت طريقي وأنا أحمل إحساسا جميلاً نحو حانوت آخر للباروكات.

أشعر بحرية السير، مشيتُ وأنا أختال الشوارع بفرح، وكأني أراها لأول مرة، رحلة أثارت في داخلي قرارا مهما، سأشمّ هواء الرب هذه الليلة فالسماء صافية، سأذهب إليها فأضع نفسي المحروقة بجانب أي نجمة متلألئة، لعلها تتقد روحي مجددا، سأنسى العفن الأرضي، وربما أنسى عاصفة الماضي التي رحلت، وتركت داخلي عواصف كثيرة لا تزال تسحق قلبي، فحرية الخطأ أهم وأعظم من السيف، إن سمي خطأً!
أنا، من اليوم، سأكون (مرلين مونرو)! أليس الأجدر بي أن أختار باروكة أجمل من التي اقترحها زوجي المتزمت! فكرة جيدة، وكأني أملك ثروة الأرض. قلت. جميلة لعبة التقمص هذه، تعجبني!
تسكعت طوال الليل، مشيت في شوارع بلا شوارع، لم أر وجوها غير وجهي الصامت، تسللتُ بأفكاري السوداوية داخل قلبي المسكين وأمرته بالسعادة، أمرته كما أمرني زوجي اعتمار شعر غير شعري، صعب صنع السعادة!!

ملاحظة: يتوجب على المرأة اليهودية المتدينة جدا، بعد اقترانها، حلق شعرها حتى لا تثير شهوة زوجها، فضرورة الجماع للإنجاب فقط وليس إلا.
مقطع من رواية (قلوب لمدن قلقة).