تزايدت حركة النزوح من بلدات الجنوب اللبناني في اتجاه مناطق آمنة مع تصاعد القصف الإسرائيلي، وشهدت مدينة صور بشكل خاص نزوحاً كبيراً إليها، وتجاوز عدد النازحين المسجلين في إدارة الكوارث باتحاد بلديات قضاء صور 24 ألفاً، من غير النازحين الذين لم يسجلوا في البلديات. وبحسب الأرقام التي نشرتها «المنظمة الدولية للهجرة» على موقعها بمنصة «إكس»، نزح بين 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي و5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي نحو 58 ألفاً و835 شخصاً، غالبيتهم من مناطق جنوب لبنان ومناطق أخرى في البلاد، بسبب الأحداث على الحدود الجنوبية.
وتحدثت الوكالة الوطنية الرسمية عن أجواء متوترة صباح الأربعاء في القطاعين الأوسط والغربي من جنوب لبنان، وتحليق طائرات إسرائيلية فوق بلدتي مجدل زون وشمع، مشيرة أيضاً إلى استهداف عدد من القرى في القطاعين الغربي والأوسط. وذكرت أن طائرات حربية إسرائيلية نفذت صباحاً سلسلة غارات جوية استهدفت أطراف بلدة عيتا الشعب، قائلة إنها ألقت عدداً من الصواريخ على المنطقة، وارتفعت سحب دخان كثيف. ومساء الأربعاء قُتِل شخص داخل سيارته برصاص قناصة إسرائيليين على مشارف قرية كفركلا بجنوب لبنان.
وخلال ساعات النهار استمر القصف في موازاة العمليات التي نفذها «حزب الله»، واستهدف القصف الإسرائيلي بلدة بليدا على بُعد أمتار من موقع تشييع أحد مقاتلي «حزب الله»، حسن إبراهيم، الذي نعاه يوم الثلاثاء.
وبينما أفادت «الوطنية» عن استهداف مستعمرة المطلة بصاروخين من الأراضي اللبنانية، لفتت إلى إطلاق مدفعية إسرائيلية على تل نحاس وقصف استهدف المنطقة الحرجية الواقعة بين عين إبل وبنت جبيل، كما طالت القذائف المدفعية منطقة رأس الظهر غرب بلدة ميس الجبل ومنطقة رويسة حولا وأطراف البلدتين.
وفي صور، تعرضت أطراف بلدتي يارين ومروحين وجبل اللبونة لقصف مدفعي مباشر، وأفادت «الوطنية» بتعرض أطراف بلدات رامية، بيت ليف وعيتا الشعب لقصف مدفعي، في موازاة تعرض أطراف بلدة الناقورة لقصف مدفعي إسرائيلي، إضافة إلى خراج بلدة كفرشوبا.
وصباحاً، نفَّذ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات جوية استهدفت أطراف بلدة عيتا الشعب، حيث ألقى عدداً من صواريخ جو – أرض على المنطقة التي ارتفعت منها سحب الدخان الكثيف، وبدءاً من بعد الظهر، سجل تحليق مكثف لطائرات تجسس إسرائيلية فوق بلدات منطقة النبطية وإقليم التفاح، وعلى علو منخفض.
وجدّد «حزب الله» على لسان عضو المجلس المركزي الشيخ نبيل قاووق التأكيد على أن «قرار المقاومة هو الرد السريع والحاسم مقابل أي استهداف للمدنيين في لبنان».
ونعى الحزب اثنين من مقاتليه، هما حسن علي إبراهيم (أبو هادي) من بلدة بليدا، ووسام حيدر مرتضى (علي أبو الحسن) من بلدة عيتا الجبل، ليرتفع عدد القتلى من عناصر الحزب إلى 116. وأعلن عن عمليات استهدفت تجمعات ومراكز عسكرية إسرائيلية. وقال إن مقاتليه استهدفوا موقع الراهب الإسرائيلي بصواريخ «بركان» وموقع العباد ودشمه وتحصيناته بالأسلحة المناسبة. وبعد الظهر أعلن عن استهدافه مرابض المدفعية الإسرائيلية في خربة ماعر بالأسلحة الصاروخية محققاً فيها إصابات مباشرة.
على صعيد المعارك ، ارتفعت حصيلة العمليات الإسرائيلية في غزة إلى 20 ألف قتيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وفق ما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي التابع لـ»حماس» الأربعاء، فيما أحيا وصول رئيس المكتب السياسي للحركة إلى القاهرة والمفاوضات التي تجري وراء الكواليس الآمال بالتوصل إلى هدنة جديدة. وتعهدت إسرائيل بتدمير «حماس» وأعلنت الحرب عليها، رداً على هجوم غير مسبوق نفذته الحركة على أراضيها وأدى إلى مقتل نحو 1140 شخصاً، معظمهم من المدنيين، بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى أحدث الأرقام الرسمية الإسرائيلية.
كما تم احتجاز حوالي 250 شخصاً رهائن في 7 أكتوبر، 129 منهم لا يزالون محتجزين في غزة، وفق إسرائيل. ورغم الدعوات المتعددة لحماية المدنيين، تستمر الغارات الإسرائيلية المميتة على قطاع غزة، وكذلك القتال البري، في حين يعاني نصف السكان المدنيين من الجوع، وفق الأمم المتحدة.
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الأربعاء أن ما لا يقل عن 20 ألف شخص قتلوا منذ بدء الحرب، بينهم 8000 طفل و6200 امرأة، فيما بلغ عدد المصابين 52600.
في الأثناء، برزت مؤشرات عن انفتاح طرفي النزاع على هدنة جديدة بعدما أتاحت سابقتها التي استمرت أسبوعاً في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، إطلاق سراح رهائن من قطاع غزة، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وإدخال مزيد من المساعدات للقطاع.
«هدنة لأسبوع»
لكن إسرائيل تستبعد أي وقف لإطلاق النار قبل «القضاء» على حماس التي تتولى السلطة في غزة منذ عام 2007 وتصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل «منظمة إرهابية».
وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في فيديو نشره مكتبه: «لن نتوقف عن القتال حتى… القضاء على (حماس) والإفراج عن الرهائن لديها، ووضع حد للتهديد القادم من غزة»، مضيفاً: «من يعتقد أننا سنتوقف فهو منفصل عن الواقع».
في المقابل، ذكر مصدر مقرّب من «حماس» أن «المدخل الرئيسي لنقاش أي شيء هو وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة… للدخول في مفاوضات جدية لإنجاز صفقة تبادل أسرى».
ووصل رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» إسماعيل هنية على رأس وفد من الحركة إلى القاهرة «لإجراء مباحثات مع المسؤولين المصريين حول تطورات العدوان الصهيوني»، وفق ما أعلن مكتبه.
هذه المباحثات «ستتناول مناقشة اقتراحات عديدة منها أفكار تشمل هدنة مؤقتة لمدة أسبوع مقابل إطلاق سراح (حماس) 40 أسيراً إسرائيلياً من النساء والأطفال والذكور غير العسكريين»، وفق ما أفاد مصدر مقرب من «حماس».
وأضاف المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية أن «هذه الهدنة قابلة للتجديد بعد التفاهم حول فئات ومعايير جديدة للتبادل»، مشيراً إلى أن هذه «أفكار نوقشت في مباحثات إسرائيلية قطرية بعلم الإدارة الأميركية». وقبل مغادرته الدوحة، التقى هنية وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي عاد والتقى رئيس الوزراء القطري.بدوره، أفاد مصدر من حركة «الجهاد الإسلامي» أن أمينها العام زياد النخالة سيتوجه أيضاً إلى القاهرة مطلع الأسبوع المقبل.
وكان نتنياهو أشار الثلاثاء خلال لقاء مع أهالي رهائن، إلى أنه أرسل مؤخراً «رئيس الموساد مرتين إلى أوروبا لبحث عملية تحريرهم».
وأكد مصدر مطلع على المباحثات عقد «اجتماع إيجابي» بين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ديفيد برنياع ونظيره الأميركي بيل بيرنز ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في وارسو هذا الأسبوع. وأكد البيت الأبيض أن مباحثات الهدنة «جادة للغاية». وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي «إنها نقاشات ومفاوضات جادة للغاية ونأمل أن تؤتي ثمارها… إنه أمر نعمل عليه منذ انتهاء فترة التوقف السابقة». إرجاء تصويت في مجلس الأمن على صعيد موازٍ، أرجأ مجلس الأمن الدولي مجدداً الأربعاء التصويت على مشروع قرار هدفه تحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة، لتتواصل المفاوضات المقعدة حول النصّ.
وقال رئيس مجلس الأمن خوسيه خافيير دول لا غاسكا لوبيز – دومينيغيز إن «مجلس الأمن اتفق على مواصلة المفاوضات اليوم لإتاحة وقت إضافي للدبلوماسية. ستعيد الرئاسة جدولة عملية التبني إلى صباح الغد (الخميس)».
وكان من المقرر في الأصل التصويت على مشروع القرار الاثنين، قبل إرجائه مرات عدة، فيما يبحث أعضاء المجلس عن صيغة تسمح لهم بتجنب مواجهة طريق مسدود جديد، بعد فيتو أميركي سابق حال دون صدور قرار يطالب بوقف إطلاق النار في القطاع.
وبعدما كان النص يدعو في نسخته الأصلية إلى «وقف عاجل ودائم للأعمال الحربية»، بات يكتفي بالدعوة إلى «تعليق» المعارك.
وأعربت روسيا وجامعة الدول العربية الأربعاء عن أملهما في صدور قرار من مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار.
من جهته، أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن أمله في التوصل إلى نتيجة إيجابية بشأن مشروع القرار، قائلاً: «عملنا على ذلك بشكل مكثف. آمل في أن نتمكن من الوصول إلى نتائج مرضية».
ميدانياً، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه وعملياته البرية رغم ضغوط دولية تلحّ على حماية المدنيين.
وقُتل 12 شخصاً على الأقل وأصيب العشرات في غارات جوية إسرائيلية على رفح، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس».ويحتشد في رفح عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا من مناطق شمال القطاع في ظل المعارك.
كما أعلنت وزارة الصحة في القطاع مقتل «30 شخصاً على الأقل» في قصف إسرائيلي على منزلين قرب المستشفى الأوروبي في شرق مدينة خان يونس بجنوب القطاع.
وفيما أعلن الجيش ارتفاع عدد قتلاه إلى 134 منذ بدء العملية البرية، أكد أنه اكتشف شبكة أنفاق في مدينة غزة استخدمها «كبار مسؤولي» حركة «حماس».
ويعاني القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي مطبق منذ التاسع من أكتوبر، من أزمة إنسانية خطيرة إذ باتت معظم مستشفياته خارج الخدمة فيما نزح نحو 1.9 مليون نسمة، أي 85 في المائة من سكانه، من شمال القطاع إلى جنوبه هرباً من الدمار والقصف، وفق الأمم المتحدة.
وأفاد تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الأربعاء أن نصف سكان القطاع يعانون الجوع الشديد أو الحاد وأن 90 في المائة منهم يحرمون بانتظام من الطعام ليوم كامل.
ورغم دخول 127 شاحنة مساعدات وبضائع إلى القطاع الثلاثاء من خلال معبري رفح مع مصر وكرم أبو سالم في شمال إسرائيل، فإن هذه الإمدادات لا تكفي لتلبية أبسط حاجات السكان.
وذكر التقرير أن 10 في المائة فقط من المواد الغذائية الضرورية حالياً دخلت إلى قطاع غزة خلال الأيام الـ70 الأخيرة.
والأربعاء، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن قافلة مساعدات دخلت غزة بعد انطلاقها من الأردن، هي الأولى من المملكة إلى القطاع منذ اندلاع الحرب.