جوسلين بدوي

فيما يعاني لبنان الأمرين من أزمة اللاجئين السوريين على كافة الأصعدة، فيما نرفع  الصوت و ندق ناقوس الخطر من قلب الاغتراب اللبناني للعمل على اعادتهم الى بلادهم، تصدّر المشهد في الآونة الأخيرة تفلّتٌ غير مسبوق عند الحدود اللبنانية السورية. إذ رُصدت موجة لجوء جديدة منذ بداية العام الحالي ليصل عددهم اسبوعياً بالآلاف وارتفعت وتيرتها منذ شهر آب الماضي بشكل مخيف و خطير.
من النزوح الى اللجوء و الآن  الى التسلل، من لاجئين هرباً من الحرب السورية الى متسللين هرباً من الازمة الاقتصادية. هكذا يدعون و يبررون تسللهم و دخولهم خلسة الى الاراضي اللبنانية. كأن لبنان المنهك، المنهار اقتصادياً، الغارق في دوامة أزمة معيشية لامثيل لها، العاجز عن تأمين أدنى الاولويات لشعبه، يتحمل هذا الكم من السوريين. فمشهد التسلل الذي استفحل مؤخراً يبدو مخيفاً و مرعباً كثيراً و لا يبشر بالخير أبداً، لا بل يشكل خطراً كبيراً على لبنان و كيانه و سيادته، و أيضاً  على اللبنانيين و أمنهم و سلامتهم.
المتسللون عبارة عن مجموعات هائلة من الرجال بعمر الشباب، كما يبدو كبيرهم في الثلاثين من العمر. لم نشاهد بينهم لا عائلات و لا نساء و لا عجزة و لا أطفال هاربين من الجوع، لا يبدو المشهد أبداً انهم هاربون من أزمة اقتصادية، بل يبدو المنظر و گأنهم جحافل من الجيش المنظم بلباس مدني يتسللون خلسة. ظاهرة غريبة و خطيرة يشهدها لبنان مؤخراً، و من المؤكد هناك وجود مخطط جهنمي لهذا الزحف الشبابي السوري لاسيما انهم قادمون من مناطق المنظمات التكفيرية كما أظهرت التحقيقات مع بعضهم.
من تهريب البضائع الى تهريب البشر، يهرب السوري نحو بلاد مجاورة ، ليبقى لبنان هو المساحة الاسهل عليه و الخاصرة الرخوة له. لكن السوريين لا يختارون لبنان صدفة، بل هناك شبكات و عصابات تنظّم وصولهم الى لبنان و لا سيما ان الحدود فالتة و مشرعة، لا حسيب و لا رقيب. هذا التفلت ليس بجديد، فالتهريب بين البلدين عبر المعابر غير الشرعية الممتدة على مساحة كبيرة بين السلسلة الشرقية بقاعاً حتى الحدود شمالاً لم يتوقّف يوماً. كل نقطة حدود تحوّلت إلى معبر غير شرعي لمرور وتهريب السوريين، على طول 370 كيلومتراً من الحدود اللبنانية السورية المشتركة، إذ تحوّل كل نهر أو سهل إلى معبر لتهريب البشر.
لبنان الذي خسر هيبته لم يحمي أمن حدوده مع سوريا، فمنذ اندلاع الحرب السورية و الدولة غافلة لظاهرة المعابر الغير الشرعية في المناطق الحدودية، مقابل لا مبالاة رسمية و استهتار و استخفاف. متلكّئة عن إيجاد الحلّ، كما هي عاجزة عن وضع خطة لعودة و ضبط اللاجئين، و أقله حراسة و ضبط حدود البلد. ان الدولة اللبنانية الفاسدة و المتواطئة لم تنظم اللجوء السوري بينما الدول المجاورة الأخرى كالأردن تعاملت بحزم و قوة مع اللاجئين السوريين و تطبق قواعد الاشتباك لحماية الحدود ومنع أي عملية تسلل أو محاولة تهريب، كما منعت تفلت وجودهم. أما تركيا فاعتمدت التضييق عليهم لتدفعهم للمغادرة. لذا يجد اللاجئ السوري ملاذه الآمن في لبنان، بلد الفلتان الامني.
أسئلة كثيرة لا بد أيضاً من طرحها:
– تزامن تسلل السوريون بأعداد هائلة خلسة الى لبنان في شهر آب و انفجار الوضع الامني في مخيم عين الحلوة، يوجد حتماً قطبة مخفية. ما هذه الصدفة؟ هل من تقارب بين الحالتين؟ هل التحق السوريون الشباب المتسللون بالمسلحين في عين الحلوة؟
– تفجير الوضع في مخيم عين الحلوة حيث شتات الفلسطنيين و الاشتباكات العنيفة التي تدور هناك، هل المقصود إلهاء الجيش عن الحدود اللبنانية السورية و تركيز قواه في الجنوب لحفظ الامن؟ مما سمح للمتسللين السوريين دخولهم الاراضي اللبنانية بأعداد هائلة دون أي رادع.
– النزوح الفلسطيني من مخيم عين الحلوة و خروجهم خارج المخيمات و العمل على تشتيتهم ظاهرة أخرى لتنضم الى النزوح السوري وخلط الحابل بالنابل لتغيير النسيج الديموغرافي اللبناني. هل هو تكملة للمخطط الجهنمي؟
وتعليقاً على ما يجري، قال وزير المهجرين شرف الدين « إنّ حركة النزوح مخيفة وإذا استمرّت بهذه الوتيرة قد تتجاوز أعداد النازحين الجدد غير الشرعيين المليون نازح، وبالتالي من الممنوع التساهل معهم. لأنه من المتوقع أن تقع أحداث أمنية بعد سنوات أو عقود من الزمن، مثلما يحصل اليوم في مخيم عين الحلوة، ومثلما حصل سابقاً في مخيم نهر البارد.»
و نقلاً عن رجل أمني يتخوف محذراً « الكارثة الكبرى بعد شهرين  ٣٠٠ الف مقاتل سوري محتمل في لبنان.»
كذلك يناشد محافظ البقاع ليلفت الى ان عدد النازحين في أربعة اقضية اصبح يقارب نسبة ٩٠% من عدد اللبنانيين.
أما الكلام الخطير الصادر عن أرفع شخصية أمنية في لبنان اي قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون محذراً
“ إن الوضع ينذر بالأسوأ قريباً، خطر وجودي يحيط بنا. «
و كان قد أعلن مؤخراً أن 8000 سوري دخلوا لبنان، 95% منهم من فئة الشباب. فالجيش اللبناني يبذل قصارى جهده لحماية الحدود، لمنع التهريب والنزوح غير الشرعي. بالرغم من النقص في عديده و عتاده، إنه يفشل اسبوعياً آلاف المتسللين السوريين، لكن الاخطر من كل ذلك ان من يلقى القبض عليهم يتم الافراج عنهم بحجة انه ليس هناك قرار سياسي بترحيلهم مجدداً الى سوريا.
نكرر و نناشد من الاغتراب اللبناني لقد سئمنا و مللنا من شعاراتكم الهشة و خطاباتكم الرنانة، لا نريد كلاماً فارغاً فقط لشد العصب، لا جدوى منه، بل المطلوب أفعالاً سريعة، و قرارات محكمة، و إجراءات  تطبيقية على الارض. ان عودة اللاجئين بحاجة إلى قرار و اجماع وطني سياسي من كافة الاحزاب و المسؤولين.
لذا نطالب بأخذ التدابير التالية و بأسرع وقت قبل فوات الأوان:
_ التواصل والتنسيق على أعلى المستويات مع القيادة السياسية السورية لاعادة السوريين الى بلادهم.
— إعطاء كافة الصلاحيات دون قيود للجيش اللبناني لضبط الحدود بحزم و صرامة و منع التسلل و التهريب. إذ أن مهامه الاساسية الحفاظ على الحدود البرية و البحرية. ان جيشنا قوي و قادر على المواجهة، إن أطلقتم يديه سيضرب بيد من حديد.
_  تطبيق الأمن الذاتي في القرى المتاخمة للحدود السورية و نشر حراس بالتعاون مع البلديات لتبليغ القوى الامنية عن اي حركة غريبة لوجود غرباء على أرض قراهم، و عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق باللاجئين السوريين.
_ إجراء مسح للقاطنين في كل بلدة من قبل البلدية بالتعاون مع متطوعين للمساعدة و ترحيل كل مخالف و فاقد لاوراقه القانونية بالتعاون مع القوى الامنية.
_ إقامة حواجز طيارة و دوريات متنقلة من قبل الدرك اللبناني على كافة الطرقات للتمكن من إيقاف سيارات ودراجات نارية للاجئين السوريين، بسبب عدم حيازة أصحابها على أوراق رسمية صالحة صادرة عن إدارة الجمارك اللبنانية و فرض عقوبات و غرامات مالية إسوة باللبنانيين.
_ القبض على عصابات التهريب على الحدود وانزال أشد العقوبات عليهم.
_ القيام بالإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات المخالفة لقانون العمل والأنظمة المرعية الإجراء المتعلق بالعمالة السورية.كما ان السوري المسجل لدى المفوضية العليا للاجئين ويحمل صفة لاجئ لا يحق له العمل على الأراضي اللبنانية. و اتخاذ الإجراءات القانونية بحق اللاجئين السوريين الذين يزاولون النشاط التجاري بالمخالفة.
_ مواجهة المجتمع الدولي و الاتحاد الاوروبي الذي يرفض ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان. في توحيد الصوت السياسي، لا أحد يمكن ان يفرض علينا بقاءهم في لبنان و دمجهم في مجتمعاتنا.
كما الاصرار على توقيف المساعدات التي تقدمها UNHCR للسوريين على ارض لبنان و لتقدمها لهم على ارض سوريا، عندها يعود اللاجئ السوري الى بلاده لان الحرب في سوريا انتهت و المساعدات أصبحت تقدم لاسباب اقتصادية و ليست أمنية.
و للأسف الشديد ننهي و نستعير المقولة الشهيرة
“لقد أَسمَعْتَ لو ناديتَ حيًا
ولكن لا حياةَ لمن تنادي
و لو نارُ نَفَختَ بها أضاءت
ولكن أنت تَنفخُ في الرمادِ»
جوسلين شربل بدوي
مسؤولة الإعلام
في الجامعة اللبنانية الثقافية في ألعالم  المجلس القاري لاستراليا و نيوزلندا