أنطوان القزي
لا يمكن لإعلامي أن يمرّ عابراً عند خبر رحيل الصحافي الكبير طلال سلمان مؤسّس وناشر «السفير « اللبنانية.
لن أحلّل وأستفيض في دور «السفير» وناشرها، ولكني أتحدث عن تجربتي الشخصية معها من بعيد.
عندما تأسست السفير سنة 1974 بدعم علني من نظام الرئيس الليبي معمّر القدافي، كانت كانها قلعة يسارية «نقّزت» أهل اليمين بسياسييهم وإعلامييهم في ذلك الوقت.
كنتُ يومها ، في السادسة عشرة، متمترساً خلف أهلي و»عشيرتي» في القلعة الشمعونية وممنوع الخروج عن «الزيح”.
وأذكر أن كثيرين تناوبوا على كتابة افتتاحية «السفير» في أيامها الأولى، بينهم ابن بلدتي وعائلتي فايز القزي الذي كان مرفوضاً من دائرة الشمعونيين في الجية الذين اعتبروه وباء يدخل بلدتهم؟!.
في تلك الأيام، كنت مدمناً على قراءة «الحوادث» و»النهار» رغم صغر سنّي، كنت كلما ذهبتُ الى بائع الجرائد، أشيح النظر عن «السفير» كي لا «تشوّش» أفكاري، حتى أنني كنت أرفض قراءة عنوانها لأنها «البعبع اليساري والعروبي» الذي يفسد عقول الشباب؟!.
جاءت حرب السنتين، وصرنا نبتعد أكثر عن «السفير» وكأنها تحارب في المتراس الذي يواجهنا على الجانب الأخر.
مرّت الأيام ، وأثناء متابعتي السنة الجامعية الأولى ( 1978-1979) في كلية الآداب- الأونيسكو، كان كل طالب في الكافتيريا يحمل صحيفة أو مجلّة.. ( وكل عنزة معلّقة بكرعوبها)، وكان ملحق السفير هو الأكثر حضوراً، وما لفتني فيه تناوله مواضيع غنية شكّلت لديّ استمراراً للإعجاب الذي كان يأسرني في ملحق النهار الثقافي، وبات الملحقان جناحين يرويان غليلي في الأدب والفن والشعر والثقافة..
والسفير التي خسرتني وخسرتها في بعض السياسة، ربحتها وربحتني في ملاحقها التي تعددت وكادت تغطّي كلّ أيام الأسبوع.
بقيت ملاحق «السفير» ترافقني جنباً الى جنب مع ملاحق «النهار» الى أن سافرتُ الى أستراليا ودرجت على شرائها من المكتبة العربية في لاكمبا لصاحبها الصديق مايكل رزق ولو متأخرة أسبوعاً.
السفير «البعبع» كجريدة، منحتني مساحة من الغذاء مع «هوامش» طلال سلمان التي كنت انتظرها مثل آلاف اللبنانيين والعرب كل يوم جمعة.
“هوامش» طلال سلمان كان مدرسة ومنارة وقطعة من النثر تشعّ بلاغة وشعراً.
في الختام ، تعلمت من قراءة «السفير» أنه لا يجوز لموقفي من سياسة الجريدة أن يغمط حقّي بالإدمان على قراءة ملاحقها.
هذه كانت شهادة يميني بصحيفة يسارية.