عندما تسمع أن شوقي مسلماني عمل 34 عاماً في مصلحة قطارات سدني، يراودك شعور أنه مجرّد موظف يوصل الليل بالنهار ليعيل عائلته وليس لديه وقت لأي نشاط آخر، لكن هذا الجنوبي الأسمر الذي حفرت الشمس ظلّه وسامرته النجوم في محطة سيدنهام في سدني، له قصة مختلفة وهو الذي ملأ أمسيات سدني وشغل ليالي مثقفيها شعراً ونثراً وفناً مسرحياً وحضوراً صحافياً.. وكان كلما غالبه النعاس يكتب قصيدة، وكلما داهمته صافرة القطار يخطّ أختاً لها..
شوقي مسلماني من بلاد عامل الى زقاق البلاط وثانويتَي رأس النبع والظريف.. كيف حطّت به الرحال في سدني؟!.
وُلِد شوقي مسلماني في بلدة كونين الجنوبية سنة 1957 يوم كان أهل البلدة ينزلون الى بيروت عبر بوسطة (أبو حيدر) التي كان لها رحلة يومية من بنت جبيل الى بيروت. وكان الناس يقفون أمام منزل شوقي ليستقلوا البوسطة.
ويقول شوقي ان تجارة أهل الجنوب تاريخياً كانت مع فلسطين وليس مع بيروت.
في عمر الست سنوات توجه شوقي مع العائلة الى بيروت ليعود الى كونين في الفرص والعطلات وأقامت العائلة في منطقة زقاق البلاط في هجرة داخلية، وهناك تابع شوقي المرحلتين الإبتدائية والتكميلية في مدارس المعهد العربي لصاحبها حسين يتيم، وأنهى الصف الثانوي الأول في ثانوية رأس النبع وقسماً من السنة الثانوية الثانية في ثانوية الظريف، وكانت التظاهرات في تلك الأيام تنطلق من هاتين الثانويتين وكان يدرس فيهما خليط من الأحزاب والطوائف.
يقول شوقي: «إندلعت حرب السنتين، عدنا الى الجنوب ومكثنا سنتين، حاولت خلالهما متابعة الدراسة في ثانوية بنت جبيل لكنها أقفلت بعد 3 أسابيع. وأثناء وجودنا في كونين قدم لنا أخوالي الموجودون في استراليا طلباً للهجرة.. ووصلنا الى سيدني في 25/5/1977.
ولدى وصولنا كان يوجد منزل عربي واحد في بانكسيا ومنزلان في روكدايل، ولم تكن الصحف العربية تباع عند بائعي الجرائد. أما في أرنكليف فبالكاد كان يوجد محل صغير، كنا نقف أمام ذلك الدكان لنعرف أخبار لبنان، حتى التلفزيونات في ذلك الوقت كان يتوقف بثها في العاشرة والنصف ليلاً وبعد ذلك راحت الأقنية تنقل برامج من التلفزيون الأميركي كي تبث حتى الثانية فجراً.
فنحن وصلنا في آخر عهد استراليا القديمة، لأن التغيير الكبير في استراليا بدأ في النصف الأول من الثمانينات.
بعد شهر ونصف من وصولنا جاءني شخص إسمه أحمد رسلان، وسألني إذا كنت أريد أن أعمل، وقال لي أن هناك مجالاً للعمل في محطة كرونيلا للقطارات، فأجبته: بالتأكيد وأعطاني إستمارة وملأتها، وفي اليوم التالي بدأت العمل وكنا ما زلنا في سنة 1977».
بقي شوقي في كرونيلا 3 سنوات وأخبروه ان هناك عملاً في الدارلينغ هاربر يتبع أيضاً لدائرة القطارات ولكنه لنقل البضائع فتوجه إليه شوقي بصفة معاون محطة، وبقي أيضاً هناك 3 سنوات.
ثم توجه الى محطة سيدنهام للقطارات حيث بقي فيها بصورة متقطعة حتى سنة 2011 تاريخ تقاعده من دائرة القطارات بعد 34 عاماً، وكان عمل أيضاً في محطتي آنفيلد والسنترال.
واليوم يملك شوقي البطاقة الذهبية مع زوجته وأولاده الذين هم دون 18 سنة وبإمكانهم السفر داخل نيو ساوث ويلز مجاناً الى أي مكان.
ثقافياً: طبع شوقي أول كتاب له سنة 1987 بعنوان «على طريق بعيد».
الكتاب الثاني كان بعنوان «حصار الدائرة» سنة 1990.
والكتاب الثالث كان بعنوان «أوراق العزلة» سنة 1991.
ثم توالت كتبه مثل»حيث الذئب»، و»من نزع وجه الوردة» و»عابر يواريه الضباب» و»كونين لطائف وطرائف».
وعن دار الديار للطباعة والنشر في تونس صدر له: «عندما ينظر الله الى المرآة»، ولا فراشة لإنعاش الطقس».
وعن دار الشنفرى للطباعة والنشر في تونس صدرت لشوقي مجموعته الشعرية السادسة «رأس الدم» سنة 2021.
طبع شوقي كتبه في تونس ومصر والأردن وسيدني. ولديه أكثر من 20 كتاباً غير مطبوع.
وله ايضاً أنطولوجيا الشعر الاسترالي وفيه قصائد لثلاثين شاعراً استرالياً طُبِع في تونس.
كتب في صحف ومجلات استرالية وعالمية منها: «التلغراف»، «النهار»، «البيرق»، «المستقبل»، «الشرق الأوسط»، «النهضة»، «الأخبار».
وفي الخارج: «السفير»، «النهار البيروتية»، «القدس العربي» و»إيلاف».
أسس شوقي مجلة «الرابطة» سنة 1981 وهي مجلة شاملة صدر منها 23 عدداً.
وأسس سنة 1998 مجلة «أميرة» الشهرية التي لاقت نجاحاً لافتاً وتوقفت سنة 2002 ويقول شوقي ان توقيفها كانت غلطة منه لأن مردودها كان جيداً وهو اضطر على إيقافها لضيق الوقت وانه كان يعمل في أكثر من دوام.
كتب شوقي 3 مسرحيات:
“الأرض” – مع عبد الله سالم.
“نحنا بخير طمنونا عنكم”.
“عنزة ولو طارت” التي إستمر عرضها 13 أسبوعاً.
وعن رأيه عن الإعلام العربي في استراليا يقول شوقي: الفضل الأول للإزدهار الثقافي والفني يعود الى الصحف المهجرية التي أخذت على عاتقها نشر نتاجات الجالية. والصحافة كانت العمود الفقري للجالية العربية كما كانت رابطة إحياء التراث العربي المنبر الأهم في الجالية العربية.
ونسبة لحداثة الجالية وضمن إمكانيات متواضعة قدمت الجالية العربية في استراليا تجربة ثقافية عظيمة وكانت كأنها تنتشل الماء من قلب الصخر.
وعن موقعه السياسي يقول شوقي: أنا إنسان علماني ولست متديناً لكني أحترم كل الأديان.
واليوم صارت العلمانية عملة نادرة في ظل الإصطفاف المذهبي الحاد. في سنة 1989 جمعتنا الرابطة العربية الثقافية مع مجموعة من الشباب وكانت الرابطة مظلة ثقافية لأبناء الجالية، لكن فيما بعد قام بعض الناشطين القريبين من جورج حبش ووديع حداد وغسّان كنفاني وإستأثروا بالرابطة وباتت ميول الرابطة قريبة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكانوا يوزعون مجلة الهدف وأنا كنت ما زلت في الرابطة لعلمانيتها وتأييدها لخط جورج حبش وحبي لكتب غسّان كنفاني الذي كان الأكثر مبيعاً بعد نجيب محفوظ.
استرالياً دخل شوقي مسلماني في حزب العمال لفترة وجيزة وهو يقول: «لم أنخرط يوماً رسمياً بأي حزب ولكن كان لي أصدقاء في عدد من الأحزاب علماً أن الناس نسبوا إليّ كثيراً الإنتماء الى بعض الأحزاب».
تزوج شوقي سنة 1991 من حنان الفنج من طرابلس شمال لبنان التي إلتقاها في إحدى مناسبات سيدني. لهما ستة أولاد خمس بنات وصبي: ياسمين، ليلى، أميرة، دنيا، شاهر ولميس.
في السنوات الأخيرة شكّل لقاء الأربعاء الأسبوعي الذي اداره شوقي ظاهرة لافتة، إذ استضاف وجوهاً ثقافية وفنية واجتماعية وكان يشهد اللقاء نقاشات غنية في كل المواضيع، لكن جائحة الكوفيد «فرملت» نشاطات اللقاء.