بقلم أسعد خوري – بيروت
ان تكريم «الاتحاد الاسترالي العربي» لطوني مارون والناشطين السياسيين الراحلين بطرس عنداري وجان بشارة، هو تكريم للمواقف المبدئية، للأفكار البنّاءة، للعمل الجاد المثمر، للقضايا الكبرى وعلى رأسها قضية فلسطين وشعبها المشرّد والمقهور الذي ظُلم على يدِ حفنةٍ من الميليشيات الصهيونية التي طردته من أرضه ووطنه وترابه المقدّس… طردته من القدس ويافا وحيفا والخليل وسواها من مدن وقرى فلسطين، وبقي متمسكًا بقضيته وبمفتاح منزله حتى اللحظة!
شرّدوا شعب فلسطين وحوّلوا هذا الشعب المثقّف والوطني والبطل الى مجرّد شعب لاجىء، تحوّل الى أبطالٍ ثوّار يقاتلون المحتل الإسرائيلي بصلابة العقيدة، وقوة الإيمان بقضيتهم العادلة والمقدّسة.
في استراليا، حيث تنشط فاعليات صهيونية واعلام صهيوني من أجل طمس قضية فلسطين، تأسست «حركة أصدقاء فلسطين» في الستينيات من القرن الماضي حيث كان ثلاثة موارنة لبنانيين على رأسها هم: طوني مارون، وجان بشارة وبطرس عنداري. تحوّلوا الى خليّة ناشطة بمساعدة عدد من أبناء الجالية اللبنانية والفلسطينية وسواها من الجاليات العربية، وقارعوا على منابر الجامعات والقاعات في مختلف الأراضي الاسترالية الدعايات الصهيونية بفكرٍ نيّر وإرادة صلبة.
قارعوا الفكر بالفكر والحجّة بالحجّة الدامغة. ثم أسّسوا مجلة (Palestine Forum) أي (منبر فلسطين). تولّى رئاسة تحريرها الزميل الكبير طوني مارون الذي كرّس وقته وماله من أجل أن تبقى كلماتها ومقالاتها مبدئية وعقلانية وصلبة، كما إرادة الثوار الحقيقيين. وليس إرادة أولئك الذين حوّلوا قضية فلسطين الى مجرّد «شمّاعة» يَحتمون بها… ويبيعون ويشترون. وتحوّلوا مع الأسف الى مجرد «قتلة بالإيجار» وحوّلوا وجهة بنادقهم الى صدور «أصدقائهم». فشاع يومئذٍك التعبير الشهير (بندقية للإيجار!!).
عمل «الثلاثي» مارون وعنداري وبشارة لدعم قضية محقّة ولدعم شعب مظلوم ومشرّد في كل أصقاع الدنيا. هذا كان همّ «الثلاثي» الذي أظهر بطولةً نادرةً في أرضٍ بعيدة، في استراليا، على العمل بنشاط ملحوظ في الإعلام وعلى المنابر. الى درجة أن الصحافي والمفكّر الكبير غسان تويني، الذي زار استراليا في أواخر الستينيات من القرن الماضي، كتب افتتاحية في «نهاره» البيروتية تحدّث فيها عن الثلاثي مارون وبشارة وعنداري، معتبراً أن هؤلاء اللبنانيين الثلاثة يجسّدون إرادة صلبة لمقارعة الصهيونية على أرض استراليا… وانهم (بالمناسبة) ينتمون الى قرى مارونية من قلبِ لبنان الشمالي… شلوح أرزٍ مغروسة في بلادِ مهجرٍ بعيد!
صحيح أن «الثلاثي» المذكور لم يكن وحيدًا. ساندته قوى كثيرة من الجالية العربية علانية، أو في الوجدان والعقل والضمير والقلب… كثيرون صفّقوا وكثيرون ساندوا بكل الوسائل المتاحة، وكثيرون تمنّوا أن يكونوا جزءًا من هذه الحركة الفكرية… لا أريد الدخول في الأسماء الكثيرة والكبيرة والمتنوعة. لكن الواقع أن تكريم «الثلاثي» الذي عمل طويلاً في زمن الشدّة والصراع الحقيقي، هو تكريم للإنسان، للحق والعدالة… وخصوصاً لحقِّ الإنسان في النضال من أجل إقامة دولة حقيقية مستقلة على ترابه المقدّس.