بقلم: ياسر الجوابرة

“ربيع المسافات» كتاب صدر أول مرة عام 2008م للكاتبة والروائية الفلسطينية» دينا سليم حنحن» المقيمة في أستراليا منذ نحو عقدين، والكتاب صادر عن دار شمس المصرية، يقع في 202 صفحة من القطع المتوسط، تسرد فيه الكاتبة رحلتها الى مدينة « بريزبن» الأسترالية، وما صادفته من أحداث بدءا من لحظة ركوبها الطائرة وانتظارها الطويل في مطار هونج كونج، حيث تصادف أناسا غرباء تختلف سحنتهم «الصينية» عما ألفته في بلدها في شمال فلسطين المحتلة أو أثناء تنقلاتها في المدن الأوروبية. وتسرد بضمير «الأنا» ما لمسته من إجراءات التفتيش الدقيقة في مطار بريزبن «الأسترالي، فيسألها رجل أمن المطار عن محتويات أمتعتها ، وتثير انتباهه «نبتة الزعتر” “
– زعتر؟
– نعم زعتر!
– أين تضعونه؟
– في الرغيف الحاف.
– حاف!
– نعم، مع زيت الزيتون.
– لماذا جئتِ بالنبتة؟
– لكي أغرسها في حوض عالمي الجديد.”
تنوه الكاتبة في المقدمة إلى أنها حاولت أن توفق بين السرد المُشاهد والسرد المكتوب، وحتى لا تقع في عالمها الروائي»..وتنوه إلى عدم إحاطة الكتاب بكل المعلومات عن قارة أستراليا البعيدة.
تلتقي الساردة ومن وراءها الكاتبة بشاب كان في انتظارها يدعى جاك وهو صديق صديقتها الصحافية الاسترالية» تمارا» التي تلتقيها في أحد المؤتمرات قبل سفرها إلى أستراليا، ومنذ أن تطأ قدماها أرض « بريزبن» تؤخذ من لحظتها بغرائبية المكان وسحره، و تعطي نفسها وقتا طويلا للتعرف على معالم المكان، فهي تصف نفسها بالعصفورة القادمة من الشرق،» المقصوصة الجناح»، وتحاول التخفيف عما لاقته من معاناة وآلام عايشتها قبل سفرها.
الكتاب يتراوح في لغته بين جنس « أدب الرحلات» تارة وبين أسلوب التقرير الصحافي تارة ثانية ،تحاول الكاتبة أحيانا التخفيف من النمط التقريري الوصفي والإحصاءات ولغة الأرقام إلى استخدام
النمط السردي.
تلتقي الكاتبة في غربتها بأناس من مختلف الجنسيات «عرب وهنود وفيتناميين…»، وتستمع إلى قصص محزنة من لاجئين عراقيين خرجوا من بلادهم هربا من الواقع القاسي هناك، في المقهى يروي كلٌ مأساته والجحيم الذي لاقاه أثناء رحلته المريرة.
تبدو الكاتبة المقيمة بأستراليا، ملمة بمعلومات وفيرة عن طبيعة الحياة بأستراليا، فتكتب عن تاريخ اكتشاف القارة وعن السكان الأصليين « الأبرجينز» وحفاظهم على هويتهم العرقية، وصعوبة اندماجهم في المجتمع الأسترالي الرأسمالي، والمنفتح على ثقافات متعددة، وتعدد في كتابها أصنافا عديدة من الكائنات التي تقطن أستراليا كالكنغر والكوالا والأبوسوم، بالإضافة إلى تفاصيل كثيرة عن الحياة البرية والبحرية بأستراليا من خلال رحلات ميدانية تقوم بها وتصف معاناتها في الليالي الأولى من لسعات البعوض والأرق بسبب الاختلاف البيئي، وتسلط الضوء على مجمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياحية بأستراليا.
يحوي الكتاب على مقطوعات شعرية لشعراء وأدباء أستراليين ولأدباء عرب مقيمين بأستراليا.
وتنتقد غياب التمثيل الأدبي العربي في أستراليا وضعفه لعوامل عديدة، حيث أنها تفاجأ عندما تزور مكتبات «بريزبن» بخلوها من الكتب العربية، إلا أنها تعثر على ضالتها عندما تكون في زيارة لإحدى معارفها في «ملبورن»، فتجد مصادر وكتب ومجلات عربية فتشعر بسعادة تغمرها.
تجد الكاتبة نفسها في نزاع داخلي يمزقها بين موطنها وحنينها إلى الشرق الذي خرجت منه إلى عالم آخر مختلف بكل تفاصيله « لا صوت رصاص ..لا رائحة دخان..لا طائرات تقصف..لا دماء.. لا قيود.. ولا رائحة موت…
وتكتب الكاتبة في المقدمة :›»حاولت بقدر الإمكان أن ألم بكل المعلومات والأماكن التي غامرت باكتشافها، علما بأني لم أكتف بمشاهدتي البصرية، واستعنت بالكثير من المصادر’”.
وبالنسبة للقارئ فإنه يجد ثمة فارق بين لغة الكتاب وبين لغة رواية» ما دونه الغبار» الذي كتب بلغة أدبية راقية، وهذا يمكن تفسيره إلى أن الكاتبة كانت في بداية عهدها بالكتابة الروائية وأساليب السرد.
ويعد الكتاب واحدا من الكتب التي تلقي الضوء على حياة العربي بأستراليا، وتراكيب المجتمع الأسترالي بشكل عام.
* الكاتبة دينا سليم حنحن ولدت في مدينة اللد ، ناشطة في مجال الرواية، والقصة القصيرة، والإعلام والمسرح، تكتب المقالة في العديد من الصحف والمجلات، صدر لها إحدى عشرة رواية، الحلم المزدوج، تراتيل عزاء البحر، سادينا، الحافيات، قلوب لمدن قلقة، ربيع المسافات، جدار الصمت، نارة،
ضيعة القوارير، سقوط المعبد الأخير، ما دوّنه الغبار.