عادت مجدداً إلى الساحة صور المواجهات والقنابل الدخانية، والتشابك بين الشعب والحكّام. هذا ما ظهر الاربعاء في الحراك الذي نظّمه المتقاعدون العسكريّون، الذين – على ما علم يراهنون على كرة ثلج، للإطاحة بالمنظومة الحاكمة، ومحاولات اقتحام السرايا الحكومي ليست «تكبير للحجر» بقدر ما هي رسالة أنّ حلول الأزمة تكمن هناك، إلى حين الوصول إلى حلّ بانتخاب رئيس للجمهورية.
عاد العسكريون المتقاعدون بقوة إلى الميدان، فرواتبهم باتت لا تتخطّى الـ50 دولاراً أميركياً، في ظلّ عجز واضح عن تأمين احتياجات أسرهم من جميع النواحي الحياتية والتربوية والاقتصادية، إلا أن الاحتجاجات تطوّرت لتأخذ منحى عنفيّاً مع محاولة العسكريين المتقاعدين الدخول إلى السرايا، فتصدّى لهم عسكريو الخدمة الفعليّة بالقنابل المسيّلة للدموع، لتضع حاجزاً أمام محاولات الاقتحام.
عبّروا عن امتعاضهم للمعاملة التي يقابلهم بها رفاق السلاح، فهم من قدموا شبابهم وآلاف الشهداء والجرحى والمعوّقين لإرساء الأمن والاستقرار والسلام في ربوع الوطن، وبدلاً من أن يقابلوا بالتكريم والوفاء، تقابلهم السلطة بالنكران والجحود ومحاولة النيل من حقوقهم التاريخية.
يقول أحد العسكريين المتقاعدين في الجيش اللبناني: «سنكون شرارة الشارع لأننا أبناء هذا الوطن. والأسباب التي أوصلتنا إلى هنا هي الفقر والجوع وارتفاع الدولار والغلاء الفاحش وعدم الاستفادة من العلم والطبابة. سنشعل الشارع لأن الموضوع لم يعد يحتمل خاصة بعدما لامس الدولار الـ140 ألف ليرة»، مؤكداً أن «الشعب ما زال في سبات عميق وكي يستفيق يجب عليه أن ينتفض بوجه السياسيين».
وفيما كانت مشاركة القطاع العام ضئيلة اليوم في التظاهرة، يراهن العسكريّون المتقاعدون على دور الشعب في تحقيق انتفاضة جديدة. وهم يُبدون عتباً على جزء كبير من اللبنانيين الذين هم في سبات عميق، إذ يقول أحد العسكريين المتقاعدين من عديد قوى الأمن: «إن الشارع نام كثيراً، وبات ضرورياً أن يستفيق من كبوته». أضاف: «نحن ضد الطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى هذه الأوضاع، وبالتالي كلّ شخص في موقع المسؤولية يجب عليه أن يرحل أو أن يعطي الحلول».
ولم يخلُ التحرك من بعض المشكلات والمشادات التي وقعت بين عدد من العسكريين المتقاعدين وآخرين من موظفي القطاع العام بشأن أفضليّة الدّعوة إلى التظاهر.
كذلك طالت شظايا قذائف العسكريين المتقاعدين كلّاً من النائبتين بولا يعقوبيان ونجاة صليبا، اللتين حاولتا المشاركة في التحرك، إلا أنه تمّ طردهما، وتوجّه أحد المتظاهرين إلى النائبة صليبا بالقول: «إذا أردت أن تحصّلي حقوقنا فيجب عليكِ أن تطالبي بها تحت قبّة البرلمان وليس هنا بين الجموع».
هذا، وجرت عدّة محاولات لقطع الأسلاك الحديدية في ساحة رياض الصلح، حيث تمكّن عدد قليل من اجتياز السياج الشائك، إلا أن عناصر مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي ردّت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع لإبعاد المتظاهرين، فحصلت حالات إغماء وإصابات في صفوفهم.
مع ازدياد وتيرة المواجهات بين المتظاهرين وعناصر قوى الأمن الداخلي، أصيب الناشط وسيم غندور الذي تعرض لكسر في يده، ممّا استدعى نقله إلى المستشفى للمعالجة.
في المقابل، علم بقيام عناصر من الجيش بتقديم إسعافات أوليّة للجرحى الذين سقطوا في صفوف العسكر المتقاعدين.
العميد المتقاعد جورج نادر أشار إلى أنه التقى على رأس وفد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي استقبلهم واستمع إلى مطالبهم، ووعدهم بأنه سيتم إدراج مطالبهم في الجلسة الحكومية التي من المقرّر أن تُعقد يوم الإثنين المقبل.
وعلم « بأن نادر كان جدّياً وجازماً مع ميقاتي، وأصدر كلاماً «تهديدياً»، بمعنى أنه في حال لم يتمّ الإيفاء بالمطالب من قبل الحكومة، فإن المسار سيتّخذ منحى تصاعدياً.
هذا، ومن المقرر أن يعود العسكريون المتقاعدون يوم الإثنين للاعتصام بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.