دينا سليم حنحن- برزبن

رهيب طموحه، عاصية حالته، وقاسية أهدافه عندما يخطط لاستمالة الأنثى، يُرضي غروره أولا، وبالتالي يهدم غرور نسائه اللاتي تتبدل أحوالهم حال أشعرهم بدفئه، وحبه، وحنانه، يتراكم حديثه عن العشق، يغمرهم حتى عمق رأسهم، وفي حال تخليه عنهن بصورة مفاجئة أيضا.

تبقى الأنثى هي الأنثى، تتدرب إشعال الشموع، واختيار ربطات العنق، والجوارب الحريرية لحبيبها بتأن وسعادة، تحلم بغرز زهرة ندية في عروة سترته، وتعامله مثل قدّيس، بينما الذّكر، ديك صيّاح، مكانه الأرض، لا يملك القدرة على التحليق.
حدث وتعارفا عبر النت، أخذها معه إلى الحلم، تخمها بكلامه المعسول، فتحولت شطآن البحار في عينيها من أصداف جامدة إلى لآليء مرصعة بالماس، أبهر مسامعها بصوته الشذي، أغمضت عينيها عن جميع مساوئه، أهدته نفسها، احتال عطره الذكوري ثعالب أنفاسها، ينعشها ثم أماتها.

وعندما علمت أن صلاته لا تشبه صلاتها، وأن هداياه التي اعتبرتها ثمينة فيما مضى بدت تافهة وبلا قيمة، وأن الوسادة التي أقعدها خلف عنقها خاوية، ورأسه ثقيلة في حضنها، تحوّلت أصداف الشطآن إلى نوارس عرجاء، تتقافز على قدم واحدة.

هربت إلى الشاطيء تنفض عنها ما تبقى من طيفه، جمعت الأصداف ورمتها داخل المياه، حوطتها النوارس، حاولت التخلص منها، لكنها ظلّت النوارس تتقافز على رجل واحدة. موجة غلبت موجة، وفكرة غلبت فكرة، وصَدَفة ولدت صدفة، تقافزت صورته فجأة، غمرتها حتى النخاع، تخيلت وجهه على سطح موجة تأتي وأخرى تذهب!
رمت جسدها بين الأمواج، استماتت للحصول على محارة جميلة تدحرجت في القاع، ضربتها الأمواج وسحبتها، غابت عن ناظريها، ضاعت منها الشمس! ساهرت الليالي تفكر به، وعندما سنح لها فرصة اللقاء مجددا، عادت إليه مستسلمة، تطالبه باستمرار الحلم.

يوم ينقضي وأخرى تنتفض هاربة، والحبيب عالق بين العشق والنار المتقدة حوله، يوقد عيون العذارى سعادة، وببرود يشعل قلوبهم نارا كاوية، امتلأت أجندته بالأسماء، وبقلمه الرخيص، شطب أسماء لم تعلق داخل ذاكرته، منهن من تلهين وتسلين معه في لعبته واختفين، ومنهن من سقطن ضحية العشق المزيف على صفحات خاوية من الحب الحقيقي، ومنهن احترفن من بعده كتابة الشعر الرديء.

لكنها، أصرت أن تبقى عشيقته حتى لو رمت بها رياح الغدر، استمرت راضية تشاركه لعبة النرد، ماتت غيرة من حريمه، مسكينة، بدأت تذوب وتذوي، ويستمر بتصرفاته الجافة نحوها متجاهلا أرقها، مفرّطا بها بالرخيص، بل، وغضب على ضعفها، زجرها ناهرا أسلوبها الذي بدأ ليكون توسلا، لن يعود إليها لأنه يحتقر المرأة الضعيفة والخاضعة، ولأنه ماهر باستمالة الأخريات اللواتي هن عقدته لكي يبرهن لنفسه أنه الذّكر، إنه يعشق النساء، رجل مكثار، متعدد العلاقات ولا يرسو على برّ، بل بنى له موانئ كثيرة يرسي سفينته فيها إن احتجب، يخفي غنائمه مدركا تماما كيف يفعل.

تعددت الأسماء والوجوه، اسم يطرد اسما، ووجه يحتل وجها آخر، لا تزال متعلقة به، هل يسمى عشق مجنون، أم حب امتلاك واستحواذ، لا يهمها ماذا يسمى المهم هو ألا تفقده، وكلما أدركها اليأس، تراجعت بعض خطوات ثم عادت تذوب غيرة من نسائه، تحاربه، تعاتبه، وتتوسله غير متنازلة عنه للأخريات، بينما هو يهرب من قضبان سجنها، رافضا أن يكون عبدا لها، هو الملك فكيف له أن يخضع لإحداهن، وتنهيه؟ قصصه مع الحريم لم تبدأ بعد، العالم مليء بهن وهو رجل مطلوب. كل ما يحصل، عبر النت فقط!

عادت إلى البحر حائرة، بحث عن المحارة، وجدت محارة أخرى، قبعت تنتظر في القاع، مدفونة في الرمال، لم تكن تلك التي حمّلتها شكواها وقهرها، منزوعة من طرفيها ويابسة، التقطتها باكية، سارت بها والأمواج تهدر متوعدة بلا رحمة، لكنها لن تأفل لليأس، بل ستنحني لموجة أخرى ربما تأتيها بمحارتها، تبهرها، وتحمل لها خبرا يزيد ثقتها بنفسها، لم يحدث!

زارها في بيتها بعد غياب طويل عن النت، ابتسم لها قائلا « أنت جميع نسائي، مارسي طقوس العِشق على جسدي، فَعِشبُ صدري يحتاجُ إلى نِداكي .» ثم استدار إلى الخلف باستدارة غير مقصودة، سقطت عينه على حذاء رجل آخر،
حينها قالت له بجرأة لم يعهدها من قبل: « لقد كنتَ قبل ساعتين فقط جميع رجالي”!