الكاتب:  منير الحردول

أمام واقع غريب يتسم بتناقضاته الصارخة، وانفصام لا مثيل له بين الأقوال والأفعال، في عوالم السياسة والمال والأعمال في العالم العربي، يأسف الضمير الحي على مجاراة الطريق المنحرف، الذي يريد أن يؤسس لعبارة أطلق عليها ظلما وعدوانا متطلبات المرحلة!

فكيف يعقل للعاقل، أن يتقبل الخطابات المنادية بالصدق، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والشفافية ودولة الحق والقانون وخدمة مصالح الشعوب القطرية العربية، وغيرها من المفاهيم الثقيلة، والجميلة التي يسعد سامعوها من أهل السذاجة الصافية، لما لهما من وهج إحساسي، وهج مفعم بالعدالة والحق، والإخلاص لثوابت الأمة العربية الراسخة في وجدان شعوبها، والموروثة بتراث عريق لا ينكره إلا جاحد.

إذ، أن أنصار التقليد الأعمى، يقلدون كل شيء، بدءا بالثقافة اللغوية، ومرورا بالبرتوكولات المظهرية، ويتغاضون عن المهم، خلاصته نكران الذات، وتحمل المسؤولية، والسبق للاستقالة من المسؤولية في حالة الوقوع الأخطاء الفادحة، أو الهفوات الكارثية، عوض انتظار الإقالة. فلا يعقل لمن يدعي الثقافة ويسهر على حماية الحقوق، والدعوة إلى حرية الرأي والتعبير، أن يجنح للاختباء من رأي عام ينادي بالترفع عن الذاتية، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي، والحياة الحزبية الإقصائية في أغلب الأحيان، والتي تحولت لضيعة محاطة بسياج شائك يمنع الترقي، أو الولوج إليها دون ضمانات متعلقة أساسا بالولاءات والصفقات وهندسة الانزالات، وكثرة الولائم والحفلات، في المقابل يتم تهميش المواهب والمهارات، والزج المبالغ فيه، بأصحاب أوراق الشهادات الأكاديمية، كمعيار وحيد لتحمل مسؤولة ما، عوض السماع للأفكار الجديدة، والتي قد تكون معبرة، ولو كان مصدرها من شخص لم يلج المدارس الرسمية في حياته قط!

ولعل أغلب البلدان العربية، و التي تقع في محيط مليء بمختلف التحديات، حتما ستكون مستهدفة من الأصدقاء قبل الأعداء، بيد أن هذا الاستهداف قد يولد نتائج أقل حدة! لو قام الضمير بصحوة من تلقاء نفسه، وابتعد عن تقديس الكراسي، و تمعن في النظر إلى الديمقراطيات العريقة، ومدى تأثير الرأي العام على مسار الحياة السياسية للكثير من صناع القرار، دون التورط كما يقع لنا في أقطار تحن كثيرا لماض مهموم!! في الفضائح وخرق القوانين، وإعطاء صورة سيئة عن المشهد السياسي للأقطار العربية، رغم المجهودات الكبيرة التي بدلتها بعض الدول العربية في مأسسة العمل السياسي وفق ضوابط، تراعي الاحترام، والإخلاص للواجب أولا وأخيرا، لا الإخلاص للكرسي أو الحزب أو القبيلة أو المال أو الشهرة الفانية. فالشعوب العربية تحتاج للصحوة والمنطق في عالم السياسية من خلال الاعتياد على الاستقالات في عوارض موضوعية، لا انتظار الإقالات وما يتبعها من حرج للجميع.
كما أن استهداف الوحدة الترابية لبعض الأقطار العربية، كما هو الشأن للمملكة المغربية العريقة، منلكو  تسعى للم الشمل وإعادة للأخوة بين الشعوب العربية،  يصطدم للأسف على ما يظهر للعام الحر بحقد دفين معاكس لتاريخ ثابت لا غبار عنه، تاريخ مؤكد للوحدة الترابية المقدسة عند كافة المغاربة…وللحديث بقية في مقالة مفصلة مستقبلا..

كما أن الجوانب المقرونة بالحقوق، خصوصا تلك المرتبطة بحقوق الإنسان، فيبدو أنها قد بدأت تنحرف عن مسارها الطبيعي، وتتحول كوسيلة للضغط ليس إلا! بهدف الحصول على مناصب نفعية معينة، أو مناصب قيادية بارزة، بل وصل الأمر عند البعض لدرجة الخيانة، والإساءة لمؤسسات الدول العربية الدستورية، في الكثير من الاحتجاجات، حيث يتم اللجوء إلى منظمات أجنبية تكن للأقطار العربية العداء منذ أزل بعيد، بل وصل الأمر بهم إلى درجة الافتراء، وخلق الأكاذيب، واتقان الألاعيب، لهدف واحد، هو الإساءة لتلك البلدان، والاستهزاء بتاريخ العباد. فهاهي المنظمات التي تدعي الحقوق تدافع عن القتلة والمغتصبين، والمناوئين للوحدة الترابية للكثير من الدول الناطقة بالضاد، بل تشوه سمعة تاريخها ، ناهيك عن العداء العرقي أو الأديولوجي أو الديني، الذي توظفه أو يوظفه البعض، ويكيفه مع حقوق الإنسان الكونية، بهدف الوصول لمبتغى الاقصاء، وتهديد وحدة البلدان، وتلاحم شعب متنوع، أجمعت كل المصادر التاريخية، على سلمية تعايشهم مع مختلق الثقافات والروافد، بعيدا عن مفاهيم التنافر، والصراع الذي يساهم فيه من يصطاد في الماء العكر، بانحرافه وتشتيت جهود الجميع بهدف أكل الغلة وسب الدمة، كما أن السياسي الذي لا يخجل حين يدافع عن أشياء جوهرية، في المنظومات السياسية الاقتصادية وحتى الإنسانية، في حين يتم التحايل عليها و بدون خجل، ولا يبالي أصحابها بأننا في بلد العالم العربي، نطمح جميعا إلى الالتحاق بمصاف البلدان المتقدمة في كل شيء تقريبا، هذا الطموح للأسف تعرقله أفكار  لا تؤمن بالتناوب، بل غارقة في تقديس المناصب، ومتعجرفة لأنانية الأنا! ولا أحد سوى الأنا! ناهيك عن الاستهتار ابان تحمل مسؤولية ما، والتحايل للهروب عن الاعتراف بالأخطاء، و الخوف من اعتبار الاستقالات نهجا تربويا، سياسيا عاديا، في بلدان مليئة بالكفاءات، ومفعمة بشعوب تسعى لكي ترفع راية بلادنها عاليا، بعيدا عن التفاهة، وشعار نفسي ثم نفسي ، كأننا في يوم القيامة.

وفي حكمة ما قبل النهاية! نتمنى بداية جديدة للأمل، امل بطعم صحوة الضمير، وذلك بغية النهوض بمجد جميل، مجد عالم عربي يراعي مصلحة شعوبه المغبونة في كل شيء تقريبا!. الهداية لنا وللجميع!
فهكذا أعبر.. وهكذا أقدر وأنظر للأمور…