كتبت- آسيا الموسوي- سيدني

وجدت الجاليات العربية و الشرق أوسطية في أستراليا نفسها مثلها مثل بقية المجموعات الأخرى المحافظة، في مواجهة قضية اجتماعية مطروحة على صعيد البلاد، ألا وهي التعايش مع تشريع زواج المثليين و وجدهم البارز و بقوة على الساحة العالمية بشكل عام و الاسترالية بشكل خاص, لا يخفي الكثيرين قلقهم ورفضهم لشرعنه و فرض حالة المثلية الجنسية كحالة طبيعية في المجتمع.

ويخشى المحافظون في استراليا من اقرار يسمح بتدريس مواد دراسية تتعلق بالجنس والمثلية الجنسية بدءاً من المرحلة الإعدادية بالمدارس الحكومية، وفي حال رفض ولي أمر الطالب تلك الخطوة يتم فصل الطالب من المدرسة، ومن هذا المنطلق يضطر أولياء أمور طلاب مسلمين إلى نقل أبنائهم إلى مدارس إسلامية أو خاصة، لأن تدريس المواد الجنسية مسموح به في المدارس الحكومية فقط.

في إطار تشريعي، صوت مجمع السينودس العام لكنيسة إنكلترا لصالح اقتراح بمباركة عقود الاتحاد للأزواج المثليين، وسط انقسام علني في صفوفه، فيما أكّد معارضته للاحتفال بالزيجات الدينية.
وبعد ثماني ساعات من المناقشات على مدى يومين ضمن أجواء سادها التوتر، أتت نتائج تصويت أعضاء السينودس الذين يبلغ عددهم نحو 500 شخص، بـ 250 صوتاً مؤيداً لمباركة الكنيسة عقود الاتحاد للأزواج المثليين و181 صوتاً معارضاً لهذا الاقتراح وعشرة أعضاء امتنعوا عن التصويت.

ويأتي هذا القرار نتيجة ست سنوات من المشاورات التي كشفت عن انقسامات عميقة في شأن هذه القضية داخل كنيسة إنكلترا البروتستانتية التي يتبع لها 85 مليون مؤمن.
فماذا ينتظر العالم من بعد مباركة الكنيسة البروتستانتية لهذه الظاهرة؟
دينياً صرح بابا الفاتيكان البابا فرانسيس أن المثلية الجنسية ليست جريمة يعاقب عليها القانون و لكنها خطيئة أمام الرب و يجب التميز بين الأمرين و التعامل معه على هذا الأساس و يشار الى أن هناك مرسوم صادر من الفاتيكان عام 2021 يفيد بأن الكنيسة لا تستطيع أن تبارك الزيجات المثلية و لكن البابا فرانسيس ذهب لأبعد من ذلك داعيا إلى ابتكار «قانون اتحادي مدني» للزواج لتغطية المثليين بشكل قانوني.

تقول الكنيسة الكاثوليكية إنه استنادا الى الانجيل الذ يعرض أفعال المثلية الجنسية على أنها أفعال فساد جسيم، و أن هذه الأفعال مضطربة في جوهرها و تتعارض مع القانون الطبيعي, و تجد الآن في صفحة كنيسة إنجلترا الرسمية ما يلي:» يمنع قانون قساوسة كنيسة إنجلترا من اجراء زيجات من نفس الجنس و على الرغم من عدم وجود خدمات مصرح بها لمباركة زواج مدني من نفس الجنس, لا يزال بإمكان كنيستك المحلية دعمك بالصلاة..

و يعتبر الموقف الإسلامي الموقف الأكثر وضوحاً و صرامة بهذا الموضوع, حيث يجمع رجال الدين الإسلامي على تنوع مذاهبهم على أن الدين والفطرة الإنسانية تقف موقفًا رافضًا للمثلية الجنسية وللترويج لها والاحتفاء بها، مشددين على أن الديانات السماوية نصت بشكل واضح على تحريم ما يعرف بالمثلية الجنسية وفق نصوص دينية صريحة في الكتب المقدسة, مؤكدين إن الدين والفطرة الإنسانية لا يمكن أن تقبل بالشذوذ الجنسي واعتبار تمريره احد جوانب حقوق الإنسان.
وتقف اليهودية الارثوذكسية موقفًا حازمًا من المثلية الجنسية، إذ تحظر بشكل عام السلوك المثلي، والأكثر تعدّه يعادل سفاح القربى «زنا المحارم» وعبادة الاصنام والقتل. بل تذهب الارثوذكسية اليهودية الى ابعد من ذلك، حين تفضل موت الفرد على فعل المثلية الجنسية بموجب ما يعرف بقانون التضحية بالنفس ، المصدر الأول للشريعة اليهودية، و لكن بالطبع تبرز آراء لما يعرف باليهودية الليبرالية التي تدعو للتسامح فيما يتعلق بالأحكام المشددة التي ينص عليها القانون اليهودي إزاء المثلية الجنسية و على أثر ذلك تعتبر مدينة تل أبيب من أكثر المدن تسامحاً و تقبلاً للمثليين جنسياً.

وتُجرّم حوالي 67 دولة أو سلطة قضائية في جميع أنحاء العالم النشاط الجنسي المثلي حتى ولو كان بالتراضي، وفي الولايات المتحدة، لا تزال هناك أكثر من 12 ولاية لديها قوانين تكافح المثلية الجنسية والشذوذ، على الرغم من حكم المحكمة العليا لعام 2003 الذي وصف هذه القوانين بأنها غير دستورية.

ومنذ عام 1970، تشهد العديد من الدول الغربية «مسيرات فخر» في نهاية شهر يونيو من كل عام، يحتفل فيها المثليون وغيرهم بـ»الأشخاص من كافة التوجهات الجنسية», و يضم مجتمع « ال جي بي تي كيو» المثليين و المثليات، مزدوجي الميل الجنسي, و المتحولين جنسياً و مرتدي الملابس المغايرة لجنسهم و غيرهم.

من المطلوب نظرة معمقة في هذه الظاهرة و التي إن لم تكن تتناسب مع كثير من الجاليات و المجتمعات المنصهرة في المجتمع الأسترالي, و لكنها أصبحت ظاهرة موجودة بقوة و مشرعنة و بسطت أشرعتها في أبسط تفاصيل حياتنا اليومية, سلاحها الإعلام و الشرعية و شركات عالمية كبرى تحتفي و تروج لها و بها, و مناصرين و تابعين تحت شعارات حقوق الانسان و الحريات الشخصية, لا بد من الاعتراف بوجودها حتى نستطيع أن نبني استراتيجية للتعامل معها بما يتناسب من مبادئ و أسس ستكون ذات أثر في عائلاتنا و أطفالنا, فسياسة النعامة بدفن رأسها في التراب لن تُجدي نفعاً هذه المرة.