عمر طافش –
وكالة القدس للأنباء

«لم يخبُ شعاعاً ما دام الفكر فيه»، شعار رفعته الكاتبة والروائية والأديبة الفلسطينية نجمة خليل حبيب التي لم يخبُ شعاع فكرها الذي عرف سطوعه في العاصمة الاسترالية، سدني، فهي وإن غادرت لبنان الا أن بريقها في الكتابة ما زال يحكي عن قصتها المؤلمة، التي تضمنتها رواية «ربيع لم يزهر» وغيرها من المؤلفات، وهي خير دليل على أن ربيعها وفي كل الفصول يزهر لنا قصة ورواية تحكي عن نجمة سطعت وتألقت في سماء سدني.
نجمة خليل حبيب مولودة في حيفا فلسطين عام 1946، نشأت وتثقفت في ضواحي بيروت، هاجرت مع عائلتها الى استراليا اواخر العام 1991 بعد معاناة طويلة نتيجة الأوضاع الصعبة التي يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان، حائزة على ماجستير في الاداب من الجامعة اللبنانية، ومساهمة في مجال القصة والنقد والبحوث والترجمات الادبية في الصحف العربية الصادرة في «الوطن الام» وفي المهاجر… منذ وصولها الى استراليا انخرطت بالمشهد الثقافي للبلد فكان لها مساهمات عديدة في معظم الصحف العربية الاسترالية.
حائزة على دكتوراه فلسفة من جامعة سدني أستراليا، وعلى منحة المجلس الأسترالي الأعلى للفنون، وعلى جائزة جبران خليل جبران العالمية الصادرة عن رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا، وعلى شهادة تقديرية من الاتحاد االعام لعمال فلسطين فرع أستراليا.
خصصت نجمة حبيب مشروعها الأدبي والأكاديمي لقيم الحق والخير والعدالة والحرية، كقضية فلسطين والمرأة والطفولة المنسحقة في عالم الحروب والحرمان. كما في قصص: ربيع لم يزهر، أمومة اخجلتنا، للمرأة في يومها العالمي وفي العديد من المقالات كمثل: صرخة غاضبة في يوم المراة العالمي، آمان طموحة للمرأة في يومها العالمي وغيرها.
طارت «وكالة القدس للأنباء» وحطت في سماء سدني من خلال الشبكة العنكبوتية لتحاور الاديبة الفلسطينية نجمة، ولنعرف أكثر وأكثر عن انجازاتها الإبداعية في عالم الأدب.
بداية، أشارت نجمة وبرأيها المتواضع الى أن «ما من موهبة أدبية (باستثناء النابغة الذبياني) إلا وكان لصاحبها/تها إرهاصات أولية، قائلة: «كنت في الثانية عشرة من عمري عندما بدأت بقراءة روايات جرجي زيدان ومحاولة تقليد قصص الحب منها وكنت أخفي ما اكتبه بعيداً عن الأعين المتربصة بين طيات كتب قديمة».
ولفتت إلى انها «كبرتُ وكبر شغفها بالقراءة فكانت تقرأ كل ما يقع عليه نظرها، وتقول إن الفضل يعود الى جارتها التي كانت تعيرها روايات الهلال القديمة التي يختزنها زوجها مكافأة لمساعدتها لها ببعض الأعمال المنزلية البسيطة وهي عبارة عن روايات عربية ومترجمة لمجموعة كبيرة من الكتاب كـ: نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، المنفلوطي، الكسندر دوماس، فيكتور هيغو، غوستاف فلوبير، كزافييه دو مونتبان وغيرهم».
وفي ما يتعلق بالأديب الشهيد غسان كنفاني، أكدت نجمة خليل حبيب أنها تعرفت على أدب غسان كنفاني في عمر مبكر قبل ان تتبلور عاطفتها الوطنية وذلك من خلال برنامج من الإذاعة السورية حيث قرأت فيه المذيعة رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس».
وتابعت: «جذبتني القصة وعلقت بذهني علوق وبر الصبار على الأصابع الطرية، وكان أكثر ما استوقفني الجملة الأخيرة «لماذا لم تقرعوا أبواب الخزان»، لم أفهم وقتها رمزية الرواية بل رأيت فيها عظة اجتماعية تنهي عن الصمت الجبان وتدعو إلى رفع الصوت عالياً في وجه الظلم، وجيّرْتُـها لقضايا نسوية تحريضية لرفع الصوت في وجه  القمع والعنف الذي تتعرض له من قبل الأب والأخ والزوج والمجتمع».
وأوضحت «أنها وفي عام 1966 انخرطتُ في عمل سري من خلال تنظيم «ج. ت. ف. – طريق العودة» برئاسة شفيق الحوت رئيس مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وعضوية قلة من المثقفين الفلسطينيين على رأسهم الأديبة سميرة عزام التي تبنتني كأصغر عضو في التنظيم، فوجهتني لقراءة أدب غسان كنفاني». وأشارت الى انها كانت تستعير كتبه ومقالاته التي كان ينشرها في مجلة الهدف من مكتبتها.
وتابع الكاتبة مسيرتها الأدبية وقالت: «كنت في الثامنة عشرة من عمري، ممتلئة عروبة وناصرية وأملاً بعودة لا شك في حصولها فكفرت، ولا زلت، بكل التنظيمات والمؤسسات الحزبية، جاءت بعدها الحرب الأهلية في لبنان وجمّدت أحلامنا وصار تأمين ربطة الخبز وجرة الماء همنا الأساسي إضافة إلى إنشاء عائلة من أربعة أبناء جعلتني انقطع عن ملاحقة حلمي حوالي عشرين سنة». مضيفة، وفي العام 1989 قررَت العودة الى الجامعة اللبنانية لمتابعة تحصيلها العالي، وكانت قد اختارت للبحث المتمم لدرجة الماجستير رسالة بعنوان «النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني» وبرعاية الدكتور وجيه فانوس اتمت نجمة بحثها بتقدير جيد جداً، حيث ناقشْتُ رسالتها قبل شهر واحد من هجرتها إلى أستراليا.
حول هجرتها الى استراليا، لفتت نجمة خليل حبيب الى انها وصلت أواخر عام 1992 حيث كانت البلاد ترزح في ركود اقتصادي وتعذر عليهم (هي وزوجها) الحصول على عمل بمؤهلاتهم الجامعية، منوهة الى أنها دفعت القسم الأكبر من مدخراتها بدل إخلاء لمحل تجاري كانت تعمل فيه سبعة أيام بالأسبوع بمعدّل 14 ساعة في اليوم لتؤمن لأبنائها التعليم والمستوى الاجتماعي اللائق.
وقالت: «إن هذا العمل المضني جسدياً ومعنوياً هو الذي فجر طاقتي الإبداعية فصرت استرق الوقت لأكتب القصص القصيرة وأرسلها الى صحيفة التلغراف العربية الأسترالية، وكان رئيس تحريرها يومها أنيس غانم الذي آمن بموهبتي وحثني على الكتابة».
وأكدت نجمة أن هذه القصص كانت نواة كتابي القصصي الأول «. . . والأبناء يضرسون». طبعاً العنوان منحوت من القول التوراتي، «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون» وذلك بقصد البلاغة والإيجاز.
وتابعت: «أول إصدار لي كان كتاب «النموذج الإنساني في أدب غسان كنفاني» عام 1999، يومها دفعت بمخطوط رسالة الماجستير إلى أختي فحملته إلى (زوجة غسان) آني كنفاني وهي بدورها دفعته لابن خالته فاروق غندور وهو عضو مؤسس للجنة تخليد غسان كنفاني، فنالت الدراسة إعجاب اللجنة.. وقد رأوا فيها إضاءة على ناحية اغفلتها الدراسات التي تناولت أدبه حتى ذلك الحين هي المنحى الإنساني».
وأضافت الكاتبة نجمة خليل حبيب «باختصار كان غسان كنفاني مثلي الأعلى ليس في الكتابة الإبداعية، ولكن في صياغة الكثير من مفاهيمي في الحياة، وتعلمت من مسرحية «الباب» ألّا انتظر مقابلاً لقاء أي عمل أقوم فيه، ومن رواية «أم سعد» تعرّفت كيف تكتب الشخصيات الواقعية، ومن «الأعمى والأطرش» تعلمت أن التخلف والجهل والفقر هي أسباب بلاء أمتنا العربية.

أما من ناحية الأسلوب فتعلمت نجمة الإيجاز والوصول الى الفكرة الكبيرة بكلمات قليلة، وتعلمت الكتابة الحداثية، بأسلوب التداعي على وجه التحديد الذي اتبعته في رواية «ما تبقى لكم» وغيرها.
وأكدت أن كتاباتها مزيج من واقع ومتخيل، وشخصياتها استقتها إما من تجاربها الحياتية أو من أشخاص روائية تركت اثراً في نفسها، معطية مثلاً من قصصها القصيرة جداً منعاً للإطالة «خيش وحرير».
(داهمتني هذه الصورة فيما أنا أهدهد حفيدي لينام. غريب أمر هذه الذاكرة كيف تلملم بضاعتها من بلاد الواق الواق دونما حساب لمنطق أو ترتيب فتعطف الحرير على الخيش والفحش على القداسة !.)
وقالت الاديبة نجمة «أنا امرأة فلسطينية سُلِب حقها في أرضها ووطنها وانتمائها من المغتصب الصهيوني، وتعرضت للتهميش والظلم والكبت مذ وعت الوجود من ذوي القربى، لذلك كان وسيكون كل نتاجي الأدبي والمعرفي يدور في فلك هذه القيم. سأحيل إلى بعض العناوين فقط منعاً للإطالة:
أ- دور الروائيات العربيات في تنوير وتثوير المجتمع العربي
ب- أزمة الحرية الفكرية في المجتمع العربي المعاصر: مسبباتها وصراعاتها
ج- مفهوم العدالة وأنواعها في الرواية العربية المعاصرة
د- صراع الذات ضد إذلالات النفي: تفاح المجانين نموذجاً (هذا في البحوث)
وذكرت أنه في القصة والرواية إن خلا نص إما مباشرة او رمزاً يحيل إلى إحدى هذه القيم، وأعطت مثلاً قصة «جدتي تفقد الحلم»، قائلة: «فرغم أن الموضوع في ظاهره لا يمت بأي صلة لهذه القيم ولكن رمزياً شديد الصلة بها، فالمرأة التي ترى نفسها في المنام حرباء يحاصرها صبيان أشقياء يرمونها بالحجارة ويترصدها جارح من الطيور للانقضاض عليها، وفي الصباح إذ يذهب الحلم ويبقى أثره، يخيَّل إليها أن أطفالها يتهامسون ويقول واحدهم للآخر: أنظر وجه أمنا. إنها تشبه الحرباء. ليت والدي يطلقها ويتزوج امرأة أجمل. . . وفي طقس الصبحية التي تحييها والجارات كل صباح، تنتقل اوجاع بهية التي يضربها زوجها كلما سَكِرَ، اليها، ويصير جسدها مليئاً باللكمات كجسدها، وتصير نفسها خانعة كنفس جارتها. لا أعتقد أن رمزية هذه الصور تخفى على أي قارئ/ قارئة نموذجية.
وشددت الكاتبة على ان ايمانها عميق بشعبها العربي عموماً والفلسطيني خاصة. واعتبرت أن الجسم الصهيوني ورم سرطاني في وطننا العربي ولا بد ان يزول، مستدركة بالقول «طبعاً لن يكون زواله على أيامي ولا على أيام أبنائي ربما ولكنه زائل ولو بعد ألف عام، الصليبيون بنوا ممالك وحضارات امتدت من انطاكية إلى اورشليم ثم لملموا اشلاءهم ورحلوا».
وأكدت نجمة «أن عظام غولدا مائير في قبرها سوف تفرقع خائفة عندما يجيئ هذا اليوم. وإيماني هذا هو الذي أشاع الفرح في رواية «ربيع لم يزهر» رغم مأساويتها. فلقد كان أرييل شارون على أبواب بيروت وظل الأستاذ درويش يلقي على طلابه النكت المضحكة، وظل حسن واليسار يسترقان النظرة او كلمة الغزل او القبلة الخاطفة بين القنبلة وأختها».
وعند سؤالنا عن مشروعها الأدبي للفترة المقبلة، اعترضتنا وقالت «بل قل ما هي مشاريعي في المستقبل، فانا لن أكتفي بمشروع واحد ما دام  الله  أعطاني من الصحة والقوة ما يكفي للكتابة، مؤكدة أنها وبالرغم من العقبات الصحية والعمرية التي تعترض طموحاتها ولكنها تعمل الآن على ثلاثة مشاريع لا تدري إذا كان القدر سوف يمهلها حتى تتمها وهي:
1- موضوع بحث في رواية ما بعد الحداثة في الرواية العربية
2- مجموعة قصص قصيرة جداً
3- رواية تحكي عن تصدع عائلة مهاجرة نتيجة صدمة ام بموت ابنها فقدت ازاءه قيمها وعميت عن تربية أبنائها التربية الحميدة.