الكاتب والباحث: منير الحردول -المملكة المغربية-
ماذا لو استمرت متحورات فيروس كورونا بالزحف على العالم من جديد، وتبعتها فيروسات جديدة مصطنعة أو كامنة، ناجمة عن التغيرات المناخية أو انحرافات العلم، أو أخرى مجهولة المصدر!! متبعة أوامر خارقة للطبيعة، وخفية غيبية لا يعلم أهدافها البشر! وبقي العلم عاجزا عن إيجاد علاج ناجع لردعها! سيناريو سيكون مرعبا للبشرية بكل تأكيد! وقابل للكثر من التأويلات والاحتمالات الشديدة الإمكان، لكن تبقى هذه التوقعات ترزح في خندق واحد، ألى وهو الاستعداد للمزيد من الارتباك و الرعب المفضي إلى الاندهاش والعجز، والاستسلام للأمر الواقع المحتم، القادر على قلب الحياة البشرية رأسا على عقب.
كيف لا! وكل ما أنتجته الحضارة البشرية مهدد، وقابل للتحول الجدري، في أفق إسمه السراب المجهول، أمام هول واقع قد ينجر نحو المجاعات، وينتج فيروسات أخرى أكثر فتكا بالبشر والشجر والحجر! تلك الفيروسات، التي أنشأت عالمها الخاص، بصمت مطبق، في عالم بعيد عن الإنسان، العاجز عن فهم تطوراتها الطبيعة، الاحيائية، أطلق عليها بحكم علمه المحدود إسم الفيرسات المجهرية!
في هاته الحالة، سيتم الحكم على الجميع بلغة اسمها الرعب. لغة من بين مظاهرها الحكم بالإعدام على التواصل البشري، فتطغى الفردانية الحتمية بجبروتا، خوفا من موت محقق لا مفر منه، فيتحول الإنسان، أمام مطاردة من الموت، إلى فاقد للعقل والبصيرة!
ويميل للبحث عن العزلة التامة البعيدة، يحصر تفكيره فقط في البقاء حيا، والحصول على ما يسد به رمقه، للبقاء على في وجود مخيف غير آمن.
تلك الحياة، التي ستغلق فيها الأحياء، والشوارع والمدن والدول، وتنهار فيها قيم الزيارات العائلية، وتتلاشى فيها مفاهيم الاقتصاد والسياسة، والثقافة وكونية حقوق الإنسان، وتفرغ المحبة القيمية، و يمسي النظام العالمي الجديد في خبر، إسمه كان يا مكان!
وتعزل كل مجموعة بشرية نفسها عزلا تاما، وتدافع عن هذا العزل حتى الموت، لهدف واحد، هو عدم التواصل مع المجموعات الأخرى، خشية من انتقال فيروس قاتل مميت يسعى للقتل فقط قد يكون من مجموعة بشرية أخرى!
فنعود لعصر اسمه ماقبل التاريخ، حيث الخوف
من كل شيء. فيتراجع الإبداع وتنمو الخرافة من جديد، لينتعش المنجمون من جديد ، وتتعاظم أدوار ما يسمى بالسحرة والكهنة، بحيث يتم تصريف ذاك الخوف في شيء إسمه اللامرئيات المنقذة من هول هذا العالم المرعب، الذي قد تصبح فيه ماديات الإنسان، تتساقط كأوراق الشجر في الخريف، وأمام الخوف من دفن هذه جحافل الموتى، يعود الطاعون من جديد، فتنتشر الكوليرا، وتظهر فيروسات أخرى، قاتلة لنا، مصدرها البيئة التي أهناها بسلوكاتنا الخبيثة، ما يدفع بتلك الفيروسات بالتكاثر والتبختر! أمام عجز الكائنات الحية العاقلة، الذي تمثلها البشرية عن وقف زحفها، والتصدي لأسلوب قتلها تدميرها للكائن البشري!
وأمام انهيار النظام الإنتاجي، سينهار كل شيء، وتصبح الأوراق النقدية، كحبات الرمل، لا تسمن ولا تغني من جوع. فيزحف ما تبقى من الجنس البشري إلى البوادي، وتتحول المدن إلى أشباح، مفزعة في كل شيء، ومن تم تتحقق النظريات، وسيناريوهات بعض الأفلام السينيمائة، ونصبح ونمسي كأننا نعيش في كوكب آخر، فيقع تراجع في الاقتصاد ، ويحدث تحول جدري في تعداد وطبيعة ساكنة الجنس البشري.
وأمام هول هذه السناريوهات المخيفة، ينعدم الأمن النظامي وتزداد قتامة الوضع، ويخرج الطغاة، وينتعش المجرمون وقطاع الطرق، فيسعد منعدموا الضمير الإنساني، وتزداد عصابات القتل، من أجل ضمان لقمة العيش للبقاء.
مما يؤدي إلى تحول العالم إلى لهيب، من القتل والتخريب والخراب والدمار. فيعود الكل إلى زمن لا تاريخ له، سوى الموت في سبيل الحفاظ فقط على البقاء على قيد الحياة.
لذا، وأمام هذه السيناريوهات المرعبة غير المبعدة من أرجوحة الاحتمالات! وجب أخذ الأمور بجدية كبيرة، وعدم الاستهزاء والاستهتار بخطر العالم الكام، والحد من السباق الأهوج صوب الأسلحة الجرثومية والبيولوجية،
في المقابل، على دول العالم، تغيير سياستها الدفاعية جدريا، وذلك بوقف الاهتمام بالأسلحة البيولوجية أو الفيروسية الصعب التحكم فيها، علاوة على العمل على تدعيم قيم العدالة الاجتماعية العالمية، والتخلص من القطرية، والقومية، وتعويضها بالإنسانية من خلال ترك الحدود مفتوحة أما تنقل الأفراد، والجماعات، والأمواج البشرية، مع تقنين ذلك لكي يسود التنظيم ولا تفرغ مناطق على حساب أخرى.
ما دام الإنسان في النهاية، بشر يشترك في المشترك كالموت والحياة والأحاسيس والمرض…
فيروس التحورات أظهر أن البشرية واحدة، لذا عليها أن تتوحد، ما دامت ترغب في السلامة والبقاء على قيد الحياة في كل شيء.
فيا عقل تعقل، ويا ضمير انهض، و لا تطغى، وتأكد أن هذه الأرض مشتركة بين جميع البشر، والبشرية ملزمة بقوة المنطق أن تتعايش مهما اختلفت، لكي تحافظ على سلامة سلالتها من الانقراض، وذلك بتبني رزنامة جامعة من القيم، المبنية على الحب، والخير والرأفة، والأخوة بين الإنسانية جمعاء.
فعلم الإنسان مهما بلغ، لا زال محدودا في الزمكان، والطبيعة، والقوة! فالقوة القاهرة المتحكمة في هذا الكون المجهول، قادرة على الدفع بالجنس البشري إلى عالم مخيف مجهول. فكل التوقعات مهما توقعت وبرهنت على مصداقيتها النسبية، ستبقى رهينة بمستقبل غامض، هو في نهاية المطاف محكوم بقوة المنطق، هذا المنطق المشؤوم إسمه لا يزال يتأرجح في أرجوحة، تنتمي لعالم المجهول!