بقلم الشاعرة سوزان عون-سدني

كنتُ أنوي أنْ أتحدثَ عن  شخصيتِهِ كشاعرٍ وأديبٍ وإعلامي، منذ زمنٍ بعيد مُذْ تعرفتُ عليه وجهاً لوجْه،وشاركَ بقصيدةٍ
شعريةٍ عنّي، في حفلٍ توقيعِ مجموعتي  الشعريةِ الثانيةْ (ليلى حتى الرمق  الأخير)،وطلبتُ منه يومَها نصَّ القصيدةِ
مكتوباً، رغمَ وجودِها مسجلةً بصوتِهِ على قناتي على اليوتيوب..منذ يومين، أرسلَ لي  نسخةً إلكترونيةً مميزةً عن
كتابِهِ الشعريِّ الجديد (رذاذ صيفي)، نسخةً بتقنيةِ عاليةٍمن تصميمِ الصديقِ الدكتور علي أبوسالم، على موقِعٍ اسمُهُ (الجذور)،
موقعٍ فخمٍ حقاً، وتقنيةٍ متقدمةٍتجعلُكَ تستمعُ  للموسيقى تلقائياً بينَما أنتَ تقرأ وتنتقلُ من قصيدةٍ لأخرى،
بأجواءٍ راقيةٍ حالمة.بدأتُ بالقراءةِ على الفور، شدّتْني قصائدُهُ المسافرةُ عبرَ المسافات،
والتي “تُسامِرُ  الجفونَ بنهدةٍ ناعسة”.
أذكر منذُ سنواتٍ مضت، عندَما  التقيتُهُ وحدّثَني عن تاريخِهِ الحافلِ بالعملِ الصحافيِّ والإعلاميِّ والثقافي، في
مكتبِهِ الغارقِ (بالتلغراف) بكلِّ ما  يخطُرُ على البالِ من كتبٍ وجرائدَ
وكتابات، احترْتُ من أينَ أبدأُ الكتابةَ عنه اليوم، وعن ماذا أكتب، وماذا أقول.. عن الشاعرِ الإعلامي  أنطوان قزي، رئيسِ تحريرِ جريدةِ التلغراف الأسترالية، والوجْه الإنسانيّ.. المثقّفِ العربيّ  والمغتربِ في سيدني.
شدّني يومَها، بحديثِهِ المبهِرِ والأنيق،
وفصاحةِ لسانِهِ، حدّثَني عن بداياتِهِ  وذكرياتِ هجرتِهِ لأستراليا، عن كدِّهِ وتعبِهِ وعمَلِهِ الدؤوب، لِيوصلَ صوتَ
المغتربِ العربيِّ لكلّ الأطرافِ في  أستراليا. عمِلَ بجهدٍ وما زال، فهو رئيسُ تحريرِ جريدةِ التلغراف لأكثرَ من ثلاثينَ سنةً على  التوالي.
يكتبُ يومياً في جريدةِ التلغرافِ عما يعانيهِ المثقفُ العربيُّ والمغتربُ عموماً، له من الكتبِ والقِصصِ
والمقالاتِ، ما لا أستطيعُ حصرَهُ في  هذه المقالة الصغيرةِ عن إصدارِهِ الجديد، وإنجازاتِهَ التي حقّقَت نجاحاتٍ منقطعةِ النظير.
حدّثَني عن الموسوعةِ التي قامَ بإنجازِها (وجوهٌ مشرقة) وما حققَتْهُ من صدىً  واسعٍ في أسترالياوخارجَها.
أهداني ديوانَهُ “ذاكرةُ الريح”، وكثيراً من المعلومات، سُرِرْتُ بهذا اللقاءِ الغنيِّ
بالمعرفةِ والثقافةِ والشموخِ الأدبيِّ الراقي.
سألني أيضاً يومَها عن نشاطاتي،  وعن (البيتِ الثقافيِّ العربي) الذي أمثِّلُهُ، وعن أهدافِهِ الثقافيةِ الفنيةِوعن نشاطاتِهِ، وعن دورِ المرأةِ العربيةِ في المجتمع، وهل تقومُ بدورِها الثقافيِّ على أكملِ وجهٍ واقعاً؟
وكثيرٍ كثيرِ من المواضيعِ المهمةِ المتعلقةِ بحقوقِ الإنسانِ والحرياتِ العامة.
المهم، ما سوفَ أكتبُهُ اليوم، عبارةٌ عن لوحةٍ فنيةٍ عما قرأتُهُ في مجموعَتِهِ الشعرية (رذاذ صيفي)، وليسَ قراءةً
نقدية، فانا لستُ بالناقدة، أنا ابنةُ الكلمةِ  الساحرةِ التي تأخذُني معَها بعيداً..  فالكتابةُ الأدبية،
سموٌّ وارتقاء، وحديثُ الروحِ للروح، واستحضارُ الماضي بلسانِ الحاضر.
بدايةً، كان التقديمُ لزوجتِهِ ولبناتِهِ، فهم “الرذاذُ الذي أطفأَ جمرَ هجْراتِه”
كما قال، والوفاءُ الجميلُ لمن يُحِب، وبعدَها تنطلقُ رحلةُ الإبحارِ بينَ نصوصِه.
قال: “تعقدُ جدائلَ الآسِ بغيرِ لمْس، ‏‎تُسامرُ الجفونَ بنهدةٍ ناعسة.‏‎وتأسَرُ الغيمَ بيتاً للنوارس ،‏‎تسرِقُ
الهمسَ من بُحّةِ الريح،‏‎وتولِمُ للعنادلِ وجناتِ السَحَر.‏‎تعصِرُ الحياءَ بغيرِ شفاه، ‏‎وتروي ثقوبَ الشمسِ جراحاً لاهثة”
في قصائدِهِ لغةٌ جميلةٌ مبهرة، بلْ صباحٌ يتنفّس.. ولقاءٌ قريب..
وعهدٌ يرسُمُ وجوهاً ما غابتْ، ولا أصواتُهاخفتَت..
وهذا ما ذكرَهَ في هذا المقطعِ  الجميل: “أنا المأسور، في أمسِ الفراشاتِ أسبُرُ الآهَ، أضمُّ الحياء.
فبيني وبينَ الجُرحِ عِشْقٌ  مُريب”هنا، تحمِلُنا فراشاتُ الحلمِ معَه في رحلةٍ مقدّسة، يدعونا لنفتّشَ معه عن
الحقيقةِ والفرحِ والأمانِ الذييتمنّاهُم لوطنِهِ العربيِّ الكبير، من المحيطِ وإلى الخليج، ولو كانَ صوتُ الألمِ هو من
يرتَفِعُ بين سطورِ ديوانِهِ الشعري.
******
يُنسيكَ الألم، تلك الموسيقى  الكلاسيكيةُ الراقية، المرافقةُ للنصوص، تأخُذُكَ مجدّداً، مع النصٍّ الذي تقرأُهُ إلى
أماكنَ مختلفةٍ بعيدة، ربما إلى مكانِ كتابةِ القصيدة..
شعورٌ جميلٌ حالم، يُخرِجُكَ منه إلى الواقع، عندما تنتهي من القراءة..
الحزنُ خميرةُ الإلهام، كما الحبُّ وكما  كثيرٌ من المشاعرِ الإنسانيةِ الفيّاضة..
ولكن إذا أردتَ يوماً، أنْ تقرأَ خريطةَ  تفكيرٍ لمهاجرٍ أو تعرفَ كيفَ يفكّر، فلا تتوانَ منَ الولوجِ إلى صفحاتِ المجموعةِ
الشعريةِ للإعلاميِّ والشاعرِ الأستاذِ  المخضرمْ أنطوان قزي (رذاذ صيفي)..
قالَ في قصيدةِ الهروب:
‏‎وجوهٌ تدوسُ المرايا”‏‎تلملِمُ الأصابعَ ‏‎من شَبَقٍ مسافر، ‏‎تُغافلُ خسوفَ الحياء
‏‎وترقُصُ مع المناراتِ ‏‎على شاطئِ الخطيئة”
الشاعرُ بِلا كتابة، يشعر بالغربة، كأنّهُ مغيّبٌ عن الجمالِ والفنِّ والرسمِ والنحْتِ والموسيقى..
ولأن الشِعرُ  نبضُ الحياةِ وأنفاسُ  الحضارات، والحضاراتُ بِلا شُعراءَ
وفنانين، لا قيمةَ لها.
وهو البصماتُ الإنسانيةُ الأمميةُ  الخالدة، التي يتركُها البشرُ قبل أنْ
يرحلوا، وتظلُّ أبدَ الدهر.
قال في قصيدتِهِ (بكاء بلا تاريخ):
“كأنّني سرابٌ أغبرُ يشقُّ بيداءَ الغروبِ يعشَقُ طقوسَ الغجَر، يفترشُ الظنونَ
بساطاً للمفاتن. كأنّني ريقُ العِطاشِ
وحولي الأباريقُ تتكسّرُ ترصُدُ سحابةً هاربةً حُبلى بأعناقِ الجِرار كأنّني
نجمةٌ عاريةٌ تبلسَمُ عطَشَ الموجِ لقبْلةٍ
دافئةٍ في مضجَعِ الرمال.”
الله ما أجمَلَ هذا النصَّ البديع، وكيفَ جمعَ كلّ هذا الجمالَ في مكانٍ
واحد.. ما أروعَ هذا الأسلوبَ الخيالي، وكيفيةَ  تحويلِ بُوصلةِ الكلام، بينَ الأمواج،
الرمال،  السماء، وبينَ النجومِ تارةً أخرى، وكيفَ يحمِلُنا معَهُ على بساطِ
الذكريات. بالشِعْر، ننفضُ غبارَ الصمت، نفتِّشُ  عن وجهٍ مبتسِمٍ نرتديه.
أكملتُ صفحاتِ مجموعتِهِ الشِعريةِ بكلِّ شوق، فأنا عندَما أقرأُ كما أكتب،
أعرِفُ أنّني بخير. وعندما أتوقَّفُ عن القراءةِ والكتابة، وأبعثِرُ الأوراقَ بيضاء، أعرِفُ أنّ
ثمّةَ أمراً جلَلا، أعارَ رأسي للسُحُب. قد تُمطِرُ وقد.. لا..مباركٌ للشاعرِ الإعلاميّ المخضرَمِ
أنطوان قزي، على إصدارِهِ الجديدِ الجميل،
وأعتذِرُ عن تصفّحي البسيطِ والمرورِ المتواضعِ منّي على قصائِدِك، فهذه
العُجالةُ لا تكفي، فالكتابُ يستحقُّ الدراسةَ والغوصَ في أعماقِهِ
وسبْرَ أغوارِهِ لاقتناصِ الدُررِ من سطورِهِ وبُحورِه..مباركٌ للمكتبةِ العربيةِ بهذهِ الولادةِ
الجديدةِ وهذا المولودِ البار..