تعيين جنرال روسي بارز قائداً لـ«القوات المشتركة» وعمليات إجلاء للمدنيين من خيرسون
على خلفية تفجير جسر القرم والمعطيات الروسية التي ترددت بشكل أولي حول أن التفجير كان عملاً تخريبياً مدبراً، مع توجيه أصابع الاتهام إلى جهات أوكرانية، يترقب العالم رد الفعل الروسي على التطور الذي وصف بأنه قد يشكل منعطفاً جديداً وخطيراً في الأزمة الأوكرانية وفي المواجهة الروسية مع الغرب بشكل عام.
كعادته في المواقف الحاسمة، التزم «الكرملين» الصمت، ولم يدلِ ببيانات متسرعة، أو يوجه اتهامات.
واكتفى الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف إلى إعلان أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر بتشكيل لجنة حكومية لمتابعة الملف، تضم عملياً رؤساء أجهزة أمنية وعسكرية ومسؤولين إقليميين في القرم والمناطق المحيطة بها، فضلاً عن وزراء وموظفين من الديوان الرئاسي.
المكتوب يقرأ من عنوانه، والتقديرات الأولية تشير إلى أن موسكو لن تتردد طويلاً في توجيه أصابع الاتهام بشكل رسمي إلى الأجهزة الخاصة الأوكرانية ومن خلفها الأجهزة الغربية. إذن، سوف ينظر كما تشير المعطيات الأولية التي عكستها تصريحات مسؤولين إقليميين بينهم حاكم القرم، وبرلمانيين روس في فرضية اتهام أوكرانيا، كاحتمال أساسي وربما يكون وحيداً. ما يستوجب ردا روسيا حاسماً وقوياً.
كان ملف استهداف جسر القرم تردد أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، ووفقاً لتصريحات مسؤولين أوكرانيين فإن هذا الهدف «يجب تنفيذه عندما تسمح الظروف وقدرات التسلح». في المقابل ردت موسكو أكثر من مرة بالتحذير من تجاوز هذا «الخط الأحمر» باعتبار الجسر ضمن «الأراضي الروسية» أولاً، وبصفته «منشأة مدنية» وليست عسكرية ثانياً. في وقت سابق لوح الرئيس السابق ديمتري مدفيديف الذي حولته الحرب الأوكرانية إلى أحد «الصقور» في السياسة الروسية، بعدما ظل لسنوات طويلة يوصف بأنه «حمامة»، لوح بأن استهداف جسر القرم سيكون بمثابة «يوم القيامة» بالنسبة إلى أوكرانيا.
من الصعب التكهن في المرحلة الراهنة، عن أسباب لجوء أوكرانيا إذا كانت بالفعل تقف وراء الحدث الكبير، إلى استفزاز ضخم ومباشر لبوتين في لحظة مهمة من الحرب الأوكرانية. لكن الأكيد في كل الحالات أن تفجير الجسر يفتح كما قال برلمانيون روس على مرحلة جديدة عنوانها «حرب بلا قواعد».
اللافت هنا أنه يمكن وضع تفجير الجسر إذا ثبت أنه استهدف بعمل تخريبي متعمد على نفس مستوى التفجيرات التي استهدفت خطوط إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. بمعنى أن هذا يشكل ثاني تحدٍ قوي لبوتين من وجهة نظر السلطات الروسية.
وإذا اضيف إلى ذلك مجريات العمليات العسكرية الجارية على الأرض وتزايد الصعوبات أمام القوات الروسية التي اضطرت إلى التراجع عن مواقع في دونيتسك وخيرسون التي غدت «جزءاً أبدياً» من روسيا الاتحادية وفقاً لوصف بوتين نفسه بعد ضم المناطق الأوكرانية أخيراً، فإن التحدي المطروح أمام الكرملين يبلغ مستويات غير مسبوقة. أمام هذا المسار، يبدو الموقف الروسي آخذاً في التبلور تدريجياً، وكما سبق أن وضعت تصريحات برلمانيين روس مقدمات لتحرك سياسي وعسكري (الاعتراف بدونيتسك ولوغانسك، ثم إطلاق عملية لتأديب أوكرانيا ونزع سلاحها) فإن المقدمات الحالية المماثلة تشير إلى توقعات المرحلة المقبلة. ومن ذلك التصريحات النارية للناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا التي قالت بعد تفجير جسر القرم، إن «القتل والتخريب والتدمير والاستفزاز وتلفيق التهم، تشكل منطق الإجرام الذي يربط دول الناتو وحلفائه».
وربطت بين تفجير خطوط أنابيب الغاز «السيل الشمالي» واستهداف جسر القرم أخيراً، مستذكرة تصريحات غربية في الحالين ضد روسيا. هذه المقدمات يمكن ربطها بتحركات تجري على أكثر من مستوى، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية السبت عن تعيين قائد للقوات المشتركة العاملة في أوكرانيا.
ووفقاً لقرار وزير الدفاع، فقد تم «تعيين جنرال الجيش سيرغي سوروفيكين قائداً لمجموعة القوات المشتركة في منطقة العملية العسكرية الروسية الخاصة». وفي الأشهر السابقة تولى سوروفيكين قيادة مجموعة قوات «الجنوب» العاملة على جبهات العملية الخاصة في أوكرانيا. وهو من الجنرالات «الصقور» الأكثر ميلاً للحسم في مناطق عمله وكان في فترات سابقة قاد العمليات الروسية في سوريا. ثم غدا قائداً لسلاح الجو.
السؤال المطروح هنا، حول أهمية توقيت الإعلان عن قائد للمجموعات المشتركة والمقصود هنا الجيش الروسي وقوات الانفصاليين وكتائب المتطوعين من الشيشان ومن مناطق عدة داخل روسيا وخارجها. ألا يوحي ذلك بأن موسكو مقبلة على مرحلة جديدة أكثر قوة وربما تكون حاسمة في عمليتها العسكرية؟
النقطة الثانية على الصعيد العسكري، كانت برزت في تقارير أوكرانية عن استخدام قاذفات ثقيلة روسية عبرت الأجواء الأوكرانية من جهة بيلاروسيا بشكل نشط خلال الأيام الأخيرة لتوجيه ضربات محددة على مواقع حول العاصمة كييف.
اللافت أن البيانات الرسمية الروسية لم تشر إلى هذا الموضوع.
يضاف إلى هذين العنصرين، تطوران برزا خلال الأيام الماضية، الأول تمثل في بدء توزيع القوات الجديدة التي تم تجنيدها بعد قرار التعبئة العسكرية على جبهات القتال، والثاني المعطيات عن نقل مجموعات من مدرعات هجومية ثقيلة من طراز «تايفون» إلى خطوط التماس. اللافت في موضوع «تايفون» أن هذه المدرعات مخصصة لقوات المظليين الروس، والحديث يدور حول نقلها جواً إلى مواقع متقدمة لاستخدامها في عمليات إنزال واشتباك في مواقع اقتحام خلف خطوط العدو.

في السياق ذاته، جاء الإعلان السبت، عن قرار سلطات منطقة خيرسون «نقل الأطفال مع ذويهم وفئات كبار السن لعدة أسابيع إلى مناطق داخل العمق الروسي بينها منتجعات في شبه جزيرة القرم ومنطقة روستوف وإقليم كراسنودار، بحسب كيريل ستريموسوف، نائب رئيس الإدارة الإقليمية الموالية لروسيا في خيرسون. قال المسؤول: «اليوم، تم اتخاذ قرار. نحن نستعد لفترة صعبة، لأن الأوكرونازيين يواصلون قصف المدينة. حرفياً من غداً، ستعمل المراكز على تقديم مكان إقامة مؤقتة لهذه الفئات، أثناء عمليات التطهير من النازيين. في كل مناطق الطوق المحيط على طول منطقتي خيرسون وزوباروجيا». تلك المقدمات كلها تشير إلى أن تفجير جسر القرم قد يكون كبسة الزر، التي فتحت على «الرد الروسي الحاسم» والمرحلة الجديدة من المواجهة.