بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
قراءة في كتاب صبا الخميسي «كنزا ربّا»
الشرق الأوسط هو مهد الديانات السماوية.. ومن بينها الصابئة المندائية أقدمها في التاريخ البشري.. وجاء ذكرها في القرآن.
وكان دائماً يغلب عليها الكتمان والسرية تخوفاً من الاضطهاد والقمع.. وكانت ديانة والدي النبي إبراهيم.. إلا أنه عدل عنها.. والإبراهيمية هي أصل اليهودية والمسيحية والإسلام.
وكلمة صابئة تعني العمادة في المياه الجارية.. وكلمة المندائية تعني المعرفة باللغة الآرامية.. إذ أنهم يعبدون الله الحي الأزلي.. وكما جاء في كتابهم المقدس كنزا ربّا.. وقد تم تجديد المندائية بقبول النبي يحيى «يوحنا المعمدان» وعدد الصابئة المندائيين قليل ومعظمهم مستقر العراق.
وهاجر جزء كبير منهم من العراق.. وحتى لا ينقرضوا ولا يبقى لهم إلا الذكر التاريخي الخالد فقد قامت حركة تنشيط في ديانتهم وانفتاح على العالم ونشر دينهم.
وفي أستراليا يقارب عددهم عشرة آلاف نسمة.. وانطلاقاً من حبها لدينها برعت صبا زكي علوان الخميسي في استعراض القصص المستوحاة من نصوص كنزا ربّا أقدم كتاب ديني في تاريخ البشرية.. عرضته بأسلوب سلس ومبسط.. وهي مؤسسة ورئيسة رابطة المرأة المندائية التي تضم أكثر من 400 عضوة.
ويحاكي كتاب الخميسي المستقى من كنزا ربّا عالمي النور والظلام وأسرارهما.. فقد بذلت الكاتبة الخميسي الجهد الكبير الجبار في إعداده.. واقتربت نهاية ترجمته إلى الإنجليزية.. وكتبته بأسلوب بسيط لنشر الوعي الديني بالمندائية وزيادة الارتباط الروحي للمندائيين بدينهم.. وحفظه بين أبناء الطائفة للأجيال المقبلة.
تقول الكاتبة الخميسي في كتابها أنه حالة تكاملية لأعمال الغير.. وفي الفصل الأول تحكي قصة العالمين، عالم الأنوار الذي يملكه الله الحي الأزلي.. وهنا تتفق المندائية مع وحدانية الله في الإسلام.. وعالم الظلام ملكه العفريت «الشيطان».
ويحكي الفصل الثاني قصة خلق الكون.. إذ قال الله الحي العظيم للملائكة: «ليكن آدم ملكاً للحياة الدنيا ويكون أباً للبشرية»، وهذا يتفق مع الديانات السماوية.
وتحكي الخميسي في الفصل الثالث هبوط المخلص الملاك النوراني ملك هيبل جيوا ليعلن انتصاره على الظلام.. وقصة مانا وهو العقل أو النفس.. وهو الملاك السامي الذي دخل إلى جسد آدم.. الذي جُبل من طين على الأرض فأنارت عقله وقلبه.
وبعدها قصة تكوين الماء الحي الجاري في قصة شلمان الملاك النوراني الذي يحرس الماء الجاري.. إذ يتم تعميد الصابئة المندائيين بالمياه الجارية.
وفي الفصل الحادي عشر تحذير إلى المؤمنين.. حيث نزلت الروهة وهي الروح الشريرة حاملة إلى الأرض كل ما يطفئ الصفاء ويغرق آدم وحواء في الآثام وجعل أولادهم لا يرون النور.. ولكن مندادهي وهو ملاك أثري نوراني أوصى بعدم ارتكاب الشر وإعطاء الصدقة للفقراء.. ويتصارع النور مع الظلام.. وقاتل الكفر بالإيمان، والصلاة لتطهير القلوب.
وحينما مات آدم وتوفيت بعده حواء انتقلا إلى عالم النور مع نسله حتى يوم القيامة.
ومفهوم القيامة يتفق مع الديانات السماوية الثلاث.
وتنتقل المؤلفة الخميسي إلى قصة المطهر في العالم الآخر لتطهير الأنفس من آثامها.. والمطهر موجود في الكنيسة الكاثوليكية.
وهناك قصة الطوفان حيث طُلب من نوح أن يصنع فلكاً أي سفينة وفيها عضو من كل جنس، وهذه القصة موجودة في العهد القديم من الكتاب المقدس المسيحي وفي القرآن أيضاً.
وتقتبص المؤلفة الخميسي عن النبي إدريس.. وهو الملك الكاتب والحكيم والشديد الذكاء، وهو يتعلم من القديم والجديد يتأمل ويكتب.. وقد جاء ذكر النبي إدريس أي أخنوخ في العهد القديم من الكتاب المقدس، وإدريس النبي في القرآن وهو من نسل آدم.
وفي كنزا ربّا يتنبأ بولادة النبي يحيى بن زكريا، فإن أليصابات زوجة زكريا ستلد ولداً وتسميه يحيى.. وتعمد النبي يحيى بالعماد الرباني.. وأصبح معلماً وتتلمذ على يده الكثيرون.. وقد تزوج وعمره 42 عاماً وأنجبت منه زوجته ستة أطفال.. ونزع عنه ثوب اللحم والدماء وألبس بدلة الضياء وانتقل إلى عالم النور.. وقبره موجود في مدينة دمشق في سوريا.
وهنا تختلف الديانة المندائية عن المسيحية والإسلام فيما يتعلق بالنبي يحيى مع أن كنزا ربّا تنبأت به قبل ظهور المسيحية والإسلام.
هكذا نرى أن كنزا ربّا أقدم نصوص دينية ومستمد منها بعض من الديانات الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلام.
ويقول القرآن: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))
وكتاب المؤلفة الخميسي مبسط وسلس للاستيعاب.. ويجب ان قراءته للذين لا يعلمون عن المندائية المسالمة بصفته أصل الديانات الإبراهيمية.