بقلم هاني الترك
By Hani Elturk Oam
إنني أتعاطف مع الأبوريجينيين وثقافتهم.. رغم أنها بدائية .. أكتب عنهم.. فإنهم أصحاب الأرض الأصليين.. مثلما نحن الفلسطينيين أصحاب فلسطين ونعاني من الإحتلال.
ذات مرة جاءني في مكان عملي في التلغراف رجل استرالي يتعاطف مع الأبوريجينيين.. وقدم لي شالاً محاكاً باليد على شكل العلم الأبوريجيني.
قال لي ان صاحب محل فلسطيني الأصل في بلاكتاون له صديق أبوريجيني.. ويترجم له مقالاتي الى الإنكليزية.. ومن شدة تأثره طلب من زوجته أن تحيك الشال الأبوريجيني وقدمه هدية لي. وأنا أرتديه دائماً في فصل الشتاء.
وبهذه المناسبة إليكم قصة أهم أبوريجيني في التاريخ الاسترالي القديم هو وولاراواري بنيلونغ: بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1789 بعد وصول الأسطول الأول وإستيطان استراليا.. كان الأبوريجيني الشهير بنيلونغ يصيد السمك في منطقة مانلي باي.. مع رفيقه كولبي من قبيلته التي تسمى (يورا) وخطفهما المستوطنون وإقتادوهما الى مستوطنة سيدني.
كانت عملية الخطف بناء على أمر من حاكم المستوطنة كابتن آرثر فيليب.. كجزء من خطة التعلم عن الشعب الأبوريجيني ولغتهم وتقاليدهم وثقافتهم.. كان بنيلونغ يبلغ 26 عاماً من العمر.. يتمتع بصحة جيدة.. فر كولبي من المستوطنة وبقى بنيلونغ إذ كان نبيهاً يتعلم بسرعة.. وتمكن من التحدث بالإنكليزية، اقتبس تقاليدهم البريطانية.. وبالمقابل علّم المستوطنين طرق حياة الأبوريجينيين. ذات صباح هرب بنيلونغ من المستوطنة.. ولكن حافظ على الاتصال مع المستوطنين.. نظّم زيارة للحاكم فيليب وذلك في شهر أيلول/ سبتمبر 1790.. وتبين انها كانت مكيدة إذ أصيب فيليب بسهم في ظهره.. لكن فيليب إقتنع بعد ذلك ان الحادث كان مجرد سوء فهم.. مع ان بعض المؤرخين قالوا ان الحادث كان متعمداً من بنيلونغ كنوع من الانتقام على خطفه.
نشأت صداقة حقيقية بين الحاكم و بنيلونغ.
في شهر تشرين الاول/ أكتوبر قام أفراد قبيلة (يورا) بزيارة المستوطنة في سيدني.. وتوصل الطرفان لإتفاقية سلام تتضمن عدم الخطف أو الهجوم.. يعود الفضل في ذلك لبنيلونغ ومهارتهم بالتوسط بين أفراد ثقافتين مختلفتين تماماً.. إذ أصبحوا يعيشون ويتصلون سوياً مع بعضهم البعض.. أدى ذلك الى تعزيز قيادة بنيلونغ بين أفراد قبيلته وإحترام المستوطنين له حتى انهم منحوه مفتاح سيدني.
أصبح بنيلونغ يتناول طعامه مع الحاكم فيليب.. حتى انه بنى له منزلاً يُعرف بـ»بنيلونغ بوينت».. وهو المكان الذي بينت فيه الأوبرا هاوس.. وتبادل الإثنان الأسماء.. فأصبح إسم بنيلونغ الحاكم في حين ان اسم فيليب أصبح وولاراواري.
وبعد مرور 5 سنوات لفيليب كحاكم قرر العودة الى بلده بريطانيا.. وإصطحب معه بنيلونغ الى هناك.. وإلتقى بالملك جورج والنخبة الأرستقراطية في بريطانيا.. عام 1795 ودّع بنيلونغ صديقه فيليب وعاد الى موطنه استراليا مع الحاكم الجديد هانتر.
للأسف أصبح بنيلونغ مدمناً على الخمر.. مما أدى بأفراد قبيلته أن ينبذوه وكذلك المستوطنون طردوه.. وعاد للعيش على الجانب الشمالي من نهر باراماتا وكيسينغ بوينت وبعد ذلك أصبح زعيماً لمئة رجل محلي.
وفي ذلك العام وصل السجين السابق جايمس سكوير من بريطانيا وإستقر بجانب نهر باراماتا.. ومُنح قطعة أرض واسعة.. وبدأ في تصنيع البيرة.. أخذ بنيلونغ يتردد على المصنع ليشرب الخمر حتى إستقر في أرض سكوير وأصبحا صديقين حميمين.
توفي بنيلونغ بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير عام 1813.. وذلك إثر إصابته بمرض.. قام سكوير بدفنه ووضع لوحة تكريماً له.. وتم الإعلان عن وفاته في الصحيفة الرسمية للمستوطنة سيدني غازيت.. ويقول الإعلان ان بنيلونغ قد أدمن على إحتساء الكحول.. وفي الشهور الخمسة الأخيرة من حياته كان نادراً ما تراه صاحياً.. وقد تغيرت خرائط الشوارع في ذلك الوقت مع الظن ان قبره موجود في منطقة بوتني.
وبعد مضي ما يقارب القرنين تم العثور بالتحديد على قبره.. فقد تمكن العالم الرائد بيتر ميتشل من تحديد مكان القبر في منزل حديقة في منطقة بوتني والعائلة التي تسكن في المنزل لا تعلم بوجود قبر بنيلونغ في حديقتها.. قد كان قبر بنيلونغ لغزاً غامضاً.. إذ يعتبر أحد الشخصيات البارزة في التاريخ الاسترالي.. فهو أول أبوريجيني يخرج من القارة الاسترالية ويذهب الى بريطانيا.
Hani Elturk Oam