جوسلين شربل بدوي – سدني

هل أصبحنا غرباء في وطننا؟هل ضاقت مساحة وطني على شعبه؟ هل أن اللبناني ضاقت به أيضاً سبل العيش و اصبح هاجسه الهجرة؟
هل أصبح اللاجئون والنازحون يشاركوننا ويقاسموننا الوطن بكل ما فيه من خيرات، هذا ان تبقى شيئاً من خيرات بلدنا ؟ هل أصبحوا يأكلون معنا في نفس الطبق؟

لبنان المنهار كلياً اقتصادياً و معيشياً، الرازح تحت عجز مالي و كارثة نقدية لم يشهده اي بلد آخر، و العاجز عن تأمين أدنى الحاجات الاساسية و الانسانية للبنانيين فكيف سيتحمل استيعاب مليون ونصف لاجئ سوري؟؟؟
من يعرقل عودتهم؟ لماذا تصر الامم المتحدة على بقائهم  غير hgمبرر في لبنان؟
منذ انطلاق الثورة السورية  في ١٥ آذار ٢٠١١ اي قبل ١١ عاماً
وصل الى لبنان حوالي مليون و نصف المليون شخص يحملون الجنسبة السورية عبر الاراضي اللبنانية منهم بطريقة  شرعية و مسجلون رسمياً و اخرون دخلوا خلسة و تهريباً هرباً من الحرب. وحتى يومنا هذا لا يوجد احصاءات صحيحة بالنسبة لعددهم الحقيقي.

يحتل لبنان المرتبة الثانية في قائمة الدول المستضيفة للاجئين السوريين رغم انه يعتبر من اصغر الدول مساحة وأقلها قدرة على استيعابهم، إذ ذكرت الأمم المتحدة في تقرير حديث أن قرابة 900 ألف لاجئ سوري “مسجّل” يعيشون في الأراضي اللبنانية حتى عام 2022. بينما قدرت الحكومة اللبنانية وجود أكثر من 500 ألف آخرين يقيمون بصورة غير قانونية، والتي تشير إلى وجود أكثر من مليون ونصف سوري على أراضيها.
كما يواجه الأطفال السوريون الذين ولدوا في لبنان خطر أن يصبحوا مكتومي القيد. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، لم يتم تسجيل 83% من أصل 130 ألف طفل سوري ولدوا في لبنان منذ عام 2011 . يتكاثرون رغم تشردهم لدرجة انه يولد طفل سوري مقابل ولادة  طفلين لبنانيين.

هنا من الضروري جداً التفرقة بين وضعية و تسمية المواطنين السوريين. إذ يوجد فئتان : الفئة الاولى وتمثل المواطن السوري الذي قدم الى لبنان قبل اندلاع الحرب السورية، هؤلاء استضافهم لبنان و يعيشون فيه منذ سنين طويلة، تأقلموا وانصهروا، فمنهم من حصل على الجنسية اللبنانية باستحقاق و جدارة. كما ان هذه الفئة غير معنية اطلاقاً عما سنتحدث عنه لاحقاً.
أما الفئة الثانية وهي الفئة المعنية تشمل المواطنين السوريين الذي لجأوا الى لبنان إبان الحرب السورية هرباً من الحرب و القتل  والدمار، ويطلق عليهم تسمية النازحين.
لماذا تطلق الجهات الرسمية على هؤلاء السوريين في لبنان اسم نازحين؟ انها تسمية خاطئة جدا بل هم لاجئون وليسوا نازحون.

من هوالنازح؟
تُعرِّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “
النازح بأنه شخصٌ لم يعبر حدودًا دولية بحثًا عن الأمان، ولكنه بقي داخل وطنه وفي حماية حكومته، حتى وإن كانت تلك الحكومة سببًا في نزوحه. وغالبًا ما يصعب على الجهات الدولية و المنظمات الانسانية الوصول لتلك الفئات أو تقديم المساعدات اللازمة. “

من هو اللاجئ؟
يعرّف اللاجئ بموجب القانون الدولي على أنه شخص أجبر على الفرار من وطنه هربًا من الاضطهاد أو من تهديد خطير يمس حياته أو حريته أو سلامته الجسدية. وقد يكون ذلك مرتبطًا بالعرق أو الدين أو الجنسية أو المعتقدات السياسية أو العضوية في مجموعة اجتماعية معينة، وأيضًا بحالات الصراع أو العنف أو الفوضى. يتمتع اللاجئون بحماية القانون الدولي ولا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم إذا كانت حياتهم أو حريتهم معرضة للخطر.

بما معناه و تفسيره ان النازحين لا يعبرون حدوداً دولية ،هم من انتقلوا داخلياً ضمن بلدانهم و بقوا مهجرين داخل أوطانهم. على عكس اللاجئين الذين خرجوا من بلدهم كالسوريين وعبروا حدوداً و دخلوا الاراضي اللبنانية. إذن صفة النازح لا تنطبق على السوريين في لبنان.

يُعتقد أن اللاجئين السوريين يشكلون ما يقارب ربع سكان البلاد البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، و تعتبر نسبة كبيرة جداً و هي أعلى نسبة في العالم. فقد شكلوا ربع الديمغرافيا اللبنانية. جزء منهم دخل سوق العمل، منهم من يحتاجهم الاقتصاد اللبناني في مجال الزراعة والبناء، لكن هناك أعمالا تنافسية يمارسونها كالتجارة وغيرها فيأخذونها من درب اللبناني الذي له الحق و الاولوية فيها  طبيعياً كمواطن لبناني. علاوة على ذلك انخراط عدد كبير منهم في سوق العمل اللبناني بصورة مخالفة للقانون.
ألا يشكل هذا الوضع غير الطبيعي للبلد عائقاً وسبباً لارتفاع نسبة البطالة لدى الشعب اللبناني، الذي أصبح يفتش على لقمة عيشه بصعوبة و شقاء ولم يعد يرى حلاً امامه  غير طرق ابواب السفارات للهجرة، ومعظمهم من الفئة الشبابية.

ان اللاجئين السوريين شكلوا عبئاً كبيراً على لبنان الغارق سلفاً بالفساد، من ناحية البنى التحتية واستهلاك الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرقات و الخ… حتى انهم ساهموا في زيادة كمية النفايات مما أدى الى انهيار كل هذه الخدمات الاساسية . بينما مياه الصرف الصحي الناتجة عن المخيّمات يتمّ رميها في نهر الليطاني مما لوث المياه و أدى الى كارثة بيئية تهدد السلامة العامة. كما انهم يستفيدون ايضاً من الخدمات التربوية والطبية التي أصبحت غير مؤمنة حتى لشعب لبنان الذي يستضيفهم.
لذا ساهم بقاؤهم مدة ١١سنة وبأعداد هائلة، بنسبة ما، بانهيار البلد اقتصادياً و مالياً.حتى انهم يقاسمون المواطن اللبناني رغيف الخبز في اشد ازمة للقمح يمر بها البلد.

تدفّقت إلى لبنان منذ بداية الحرب السورية مبالغ طائلة و بالعملات الاجنبية من خلال المؤسسات الدولية لمساعدة السوريين وبالرغم من ضخامتها لم تستطع أن تؤمّن للسوريين ما يحتاجونه فعلاً ولم تكن كافية، إمّا لهدر قسم كبير منها على نفقات لم تذهب مباشرة إليهم، أو لأنها وظّفت في ما لا يحتاجونه بشكل أساسي، أو بسبب الفساد الذي اعترى عملية توزيع المساعدات.

الا ان اوضاعهم المالية والمعيشية اصبحت في يومنا هذا بعد انهيار الليرة اللبنانية، احسن حالاً من المواطن اللبناني الذي اصبح بمعظمه تحت خط الفقر دون اي مساعدة دولية. يتقاضى اللاجئون السوريون معاشات شهرية من الامم المتحدة بالدولار الاميركي عداً و نقداً. و مؤمّن لهم التعليم والكهرباء والخدمات ….مجاناً، و يتلقون مساعدات عينية كما يعملون  في السوق اللبناني ويجنون اموالاً اضافية. هذا وان عدداً كبيراً منهم يتنقل بين لبنان وسوريا ناقلاً معه الاموال التي يجنيها من لبنان بالدولار الاميركي نقداً، فتخرج الدولارات من لبنان بدلاً من صرفها في الداخل اللبناني.  ومنهم يقصدون بلدهم ويعودون إلى لبنان ليستمروا بالحصول على المساعدات غير المتوفرة في بلدهم، من مؤسسات الأمم المتحدة.

لا شك اننا لا نستطيع ان نغض البصر عن المشاكل و الخلافات و التوترات التي تحدث لدى احتكاك اللاجئ السوري مع  اللبنانيين . فإن ٤٠ ٪؜من المعتقلين في السجون هم من اللاجئين السوريين. حسب الاحصائيات المحلية فنسبة ٨٥٪؜   من الجرائم يرتكبها  لاجئون سوريون. مما يشكلون قنبلة موقوتة لبنان في غنى عنها

. “اللي فيه مكفيه”

شهد لبنان حرباً أهلية  عنيفة دامت ١٥ سنة،  و ذاق اللبنانيون الأمرين، هدمت منازل، سقطت مباني ودمرت مناطق، استشهد مئات الالاف وتهجروا من ضيعهم الا ان اللبناني لم يلجأ الى الدول المجاورة كلاجئ ولم يشكل عبئاً على اي دولة،  بل انتقل معظمهم الى منطقة مجاورة لمكان اقامته التي تشهد إشتباكات عنيفة،  او ضيعة آمنة داخل وطنه كمهجر وانتظر وقف اطلاق النار و عودة السلام الى منطقته ليعود اليها.  العودة كانت تتطلب في بعد الحالات سنوات عديدة. لبنانيون آخرون  فضلوا أن يهاجروا  بطريقة شرعية ليبنوا حياة جديدة و آمنة و آخرون  كما أذكر جيداً هربوا  و سكنوا  في جزيرة قبرص
ودفعوا أموالاً باهظة مقابل كل الخدمات التي قدمتها هذه الدولة  مما أدى اى ازدهار  البلد.

لما لا يتصرف اللاجئون السورييون بالمثل و يعودون الى بلادهم بعد ان استتب  السلام  في معظم المناطق السورية؟
لماذا تأجيل طرح خلق مناطق آمنة  في سوريا لنقل اللاجئين اليها من لبنان  بدعم من  الامم المتحدة وتحت اشرافها؟
ألم يحن الوقت لعودتهم؟ لماذا الامم المتحدة تعترض على عودتهم بحجة ان عودتهم غير آمنة وهم الذين يتنقلون ذهاباً و اياباً،  يعبرون الحدود فيدخلون الى سوريا ويعودون الى لبنان بكل حرية وسلام. ويهرّبون الدواء، المواد الغذائية، المازوت ….

طالب رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون و غبطة البطريرك الماروني اللبناني مار بشارة بطرس الراعي خلال عدة مناسبات بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لعدم تحمل لبنان كلفة اعبائهم.
وعدم التجاوب الدولي مع هذا المطلب اللبناني الذي تكرر في أكثر من مناسبة من دون أن يلقى أي ردة فعل إيجابية، يثير علامات استفهام حول نيات بعض الدول في إبقاء اللاجئين  في لبنان.

لا يمكن أن يتحمل لبنان أن يكون نصف سكانه من اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، كما لا يمكن أن يكون استقبال اللاجئين على حساب اللبنانيين.
المواطن اللبناني له الحق والاولية في كل الخدمات الحياتية التي تقدمها الدولة اللبنانية قبل اي لاجئ على أرضها.