بقلم د خلود العبيدي
نتائج الانتخابات الفيدرالية ستكون محل نقد المحللين السياسيين لأن هذه الانتخابات أحدثت تغييراً في الحكومة التي حكمت استراليا لمدة تقارب عشر سنوات وأفرزت قوى جديدة في البرلمان الأسترالي بل وخسرت شخصيات من الأحرار والعمال مقاعدها. النتائج لم تنته بعد ، فهناك احتمالات أن تزداد مقاعد حزب العمال فيصبح له الأغلبية في البرلمان ويستطيع الحكم بمفرده. أو أن يفشل في الحصول على أغلبية
حزب الخضر حقق أكبر فوز في انتخابات لحد الان. وكذلك فوز المرشحات المستقلات. وهن مجموعة من السيدات وقفن في مناطق محددة يتحدين أعضاء معروفين. وقد استطعن أن ينتزعن الفوز في مناطق أدت إلى خسارة وزير الخزانة جو فرايدنبرغ مثلاً. أهم ما في برنامج المجموعة هو المرأة والمناخ. وهما قضيتان نالت اهتماما وجدلا كبيرا في الدورة الانتخابية بعد ظهور حالات من الإساءة إلى المرأة في البرلمان. استعانة حزب العمال بهؤلاء الأعضاء في تشريعاته سيدفعه باتجاه متزايد نحو اليسار. لقد صرحت العضوات المستقلات بأن دورهن سيكون دفع الحكومة لاتخاذ تشريعات في مسألة التغير المناخي.
حزب الأحرار لم يخسر الانتخابات فحسب، بل أنه سلم البلاد إلى حكومة يسارية وأحدث فراغاً في داخل الحزب. الحالة التي وصل إليها حزب الأحرار هي نتيجة ضعف في الحزب منذ فترة طويلة.
قبل أربع سنوات كانت الخلافات داخل الحزب تعصف به خلال الأزمة التي صاحبت رئاسة وزراء مالكم تانيول حتى صار الناس يتحدثون عن نهاية الحزب وجرت انتخابات داخلية على قيادة الحزب وكان بيتر داتون المرشح الذي سيستلم الحزب إلا أن سكوت موريسون هو الذي اختير لرئاسة الحزب.
طريقة وصول السيد موريسون لرئاسة الحزب أثرت على أسلوب حكمه، فكان لا يتخذ قرارات حاسمة وسريعة ويقف مواقف وسط حتى لا يثير الانقسامات داخل الحزب. وها هو يتحمل خسارة الحزب بكل نكران ذات بمفرده يوم السبت الماضي حين صرح بأنه يتحمل مسؤولية الأخطاء التي أدت إلى هزيمة الحزب في الانتخابات.
في خطاب فوز الرئيس موريسون عام ٢٠١٩ هتف موريسون بأنه يؤمن “بالمعجزات”. كان فوز حزب الأحرار “معجزة” لأن الحزب استطاع أن يفوز في انتخابات في حين كان يتوقع انه سائر للتفكك. المعجزة ان الشعب الأسترالي صوت للأحرار لقناعة الشعب أن حزب الأحرار هو الأقدر على إدارة دفة الاقتصاد.
إذن كيف تحول الشعب خلال ثلاث سنوات الى حزب العمال واليسار في هذه الانتخابات؟
السبب الأول هو تبني حزب الأحرار لسياسات اليسار. الشعب لم يعد يرى فرقاً بينه وبين حزب العمال. خذل الأحرار اليمين في قضايا مواجهة وباء كورونا والتغير المناخي. أستراليا تعتمد على مادتين أوليتين في تجارتها هما خام الحديد والفحم. أستراليا أيضا ليست دولة صناعية وعدد سكانها قليل فلا ينبغي تحمل تبعات الانبعاث. تعهد موريسون بسياسة صفرية بحلول عام ٢٠٥٠ في مؤتمر غلاسكو عام ٢٠٢١. موريسون ينتمي إلى جناح الوسط في حزب الأحرار فإذا به يبدو انه من جناح أليسار. سياسة الطاقة ستؤدي إلى زيادة خسائر أستراليا في التجارة العالمية وبذلك يتضاعف الفشل الاقتصادي الذي يحاول الأحرار أن يحمل عبء فشله الى وباء كورونا ليغطي على فشله بإلقاء اللوم على وباء عالمي.
ثانياً: السياسة الخارجية والدفاع، فشل آخر وذو أبعاد خطيرة مدمرة. استخدمت الورقة الدفاع والسياسة الخارجية في الحملة الانتخابية وكان الأحرار يصعدون من التصريحات لغرض التخويف واستخدام مسألة الحرب. موريسون عقد اتفاقيات مع الهند خلال فترة حكمه. وظهر أكثر من مرة وهو يتقرب إلى الجالية الهندية. المسألة إذن ليس الدفاع عن أستراليا وإنما سياسة تبعية. الحكومات الليبرالية وقعت اتفاقات مع الصين ثم الهند لتمنح استثمارات وامتيازات ليست في مصلحة أستراليا.
أتاحت لنا المناظرات التي قام بها وزير الدفاع رؤية خطر أسلوب وزير الدفاع وحزب الأحرار في مواجهة المشاكل الخارجية. السيد بيتر داتون حسب ما شاهدته في المناظرات يتمسك بسياسة متشددة ضد الصين وهو يرى أن سبب العداء مع الصين شخصية الرئيس الصيني شي جان بينغ. بالمقابل العمال كانوا يظهرون بانهم سيخفضون من التوتر الحاصل في العلاقات مع الصين. فكان رئيس الوزراء العمالي السابق كيفن راد يلقي المحاضرات واللقاءات مع الجامعة الأسترالية الوطنية ليسوق كتابه الجديد عن كيفية تجنب الحرب مع الصين.
ثالثاً: الأسباب الاقتصادية هي ليست نتيجة وباء كورونا بل بالأحرى وسيلة التعامل مع وباء كورونا. كنت أحد الذين عاشوا هذه الفترة، وفي تقديري هناك فهم خاطئ حدث منذ البداية. جوش فرايدنبرغ تعامل مع المنح التي قدمها على حسب قوله «لتنشيط الاقتصاد والحفاظ على الوظائف» وكان هذا من الطبيعي أن يتعارض مع الفترة التي كانت استراليا تعيشها وهي سياسات الحد من الوباء والإغلاق. أهدرت الكثير من الأموال وادت الى التضخم. وصار الشعب لا يثق بالأرقام التي يطرحها الحزب للحصول على الأصوات ومنها أن معدل البطالة انخفض إلى ٣.٩٪ ليلة الانتخابات. فرايدنبرغ في آخر كلمه قالها قبل أن يتنحى بأنه فخور لأن أحد ناخبيه قال له بأنه «حمى وظيفته» ولم ينتبه إلى أن الأحرار سلموا البلد مديوناً بأكثر من تريليون دولار.
الخلاصة أرى أن الحملة الانتخابية للعمال كانت أكثر نجاحا وحرفية. اثار اعجابي الحملة الانتخابية التي قادتها المستقلات. فقد نجحنا في المناطق التي اخترناها للتحدي. فوز المرشحات المستقلات يوحي بأن الانتخابات خطط لها بخبرة عالية. وبان استراليا ستزداد أهميتها في المنطقة ولهذا أتوقع أن الأيام القادمة ستظهر ان العمال سيكون أداؤهم جيداً بفضل قيادات كفؤة