أنطوان القزي

كان اللبنانيون ينتظرون المواسم الإنتخابية على أحرّ من الجمر، لأن للسياسة في لبنان نكهة تفتقدها كل دول العالم ،حتى أنّ هناك مثلاً شائعاً يقول:» إذا رأيت مصباحاً مضيئاً في أحد المنازل بعد العاشرة ليلاً، يكون إمّا ياباني يدرس أو روسي يسكر أو لبنانيان يتحدثان بالسياسة»؟!.
كانت الإنتخابات : «دستوريون وكتلويون» و «نهج شهابي وحلف ثلاثي» وشمعونيون وجنبلاطيون».. واليوم انتخابات على تغيير لون وطعم البلد وليس سباق برامج لخدمة الناس؟!!.
أذكر يوم جاء والدي على وجه السرعة الى المنزل تاركاً مركز الإقتراع في يوم الإنتخابات النيابية سنة 1972 وهي أول انتخابات جرت في عهد الرئيس سليمان فرنجية «الصورة» ليأخذ عصاً غليظة كان خبّأها لوقت «الحزّات»وهل هناك «حزّة» أكثر من يوم الإنتخابات؟، وعندما سألناه عن السبب، قال :»
هودي زعران المكتب التاني بدّن ياخدو الصناديق بالقوة وسنمنعهم» .. وبالفعل لم يستطع عناصر المكتب الثاني نقل الصناديق وتسلّمتها عناصر الأمن الداخلي الى مركز الفرز ليس بسبب العصي بل بسبب تعطيل سيارة الجيب التي كان رجال المكتب الثاني يستقلونها.
و رغم هذه المشاهد على مرارتها و «نكاياتها» كان اللبناني يتذوّق فيها اللبناني طعم العذوبة..
وكان الشمعونيون يطلقون على جماعة المكتب الثاني صفة «الزعران» لما عانوه منهم في عهدَي فؤاد شهاب وشارل حلو.
وأذكر أنه عند انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية سنة 1970 استهلكت بلدتي (الجية) من اصابع الديناميت في يوم واحد ما لا تستهلكه عادة في فترة سنة، لأن الديناميت عندنا لم يكن يُستعمل فقط في تفجير الصخور لإصلاح الأراضي بل كانوا يستعملونه لصيد السمك ويكاد لا يخلو بيت في بلدتي البحرية من الديناميت لهذه الغاية.. والمضحك هو أن أحد العابرين على الطريق العام هاله مشهد استعمال الديناميت، فترجّل من سيارته وتوجّه الى الناس المبتهجين قائلاً: «يا جماعة، ماذا تفعلون ولماذا تبتهجون، فسليمان فرنجية من الشمال وانتم هنا في الشوف فكيف تفرحون الى هذا الحدّ»؟
وفوجئ الرجل بجواب واحد وسريع من كل المحتشدين الذين قالوا بصوت واحد:» الرئيس شمعون بدّو ياه مش مهم من وين بيكون»!.
عند ذلك استدار الرجل وعاد الى سيارته وأكمل طريقه باتجاه بيروت؟!.

ورغم المشاكل الفردية والتلاسن والتدافع في كل قرية وبلدة ،
بقيت الإنتخابات في لبنان موسماً للذة لأن اللبناني يعشق النكايات ويتلذذ ب»التزريك « لجاره أو قريبه أو ابن بلدته.
ورغم ما في الإنتخابات من عثرات وثغرات حوّلها أهلنا وأجدادنا الى أعراس ومواسم فرح.

واليوم عندما أرى وجوهاً على الشاشات تهدّد وتشتم وتتوعّد، أتذكّر قصة والدي والعصا الغليظة و أقول سقى الله أيام زمان.. على الأقل كان المتنافسون جميعاً لبنانيّي الهوى؟!.