نحن ما زلنا شعوباً لأننا لم نتصالح مع الماضي ولم ننقِّ الذاكرة

لأن الأثير يحتضن الضوء، ولأن الشمس ترسل أقباسها الينا على أجنحة الاثير، ولأنه في البدء كان الكلمة، اختارت بترا طوق الهندي هذا الأثير لتسدل صوتها على امتداد صباحات إذاعة «أس بي أس» عربي ولتسبر كالقصيدة أعماق المشاعر، تسمو بمستمعيها عبر الكلمة الى حيث ترخي الأحداث ظلالها، والهواجس نجاواها والظلامات شكاواها عبر صوت دافئ يبلسم النفوس وكلمة تطيّب الخواطر.

وهي التي كانت خبرت الإعلا م المرئي في لبنان وعبرت معمودية نارها بكفاءة ونجاح على موهبة وفطرة وازنتين.

بترا ترود هيكل صاحبة الجلالة من نوافذ أثير إذاعة «أس بي أس عربي» وسلاحها دماثة ومعرفة ورهافة وحسْن حوار على رحابة وامتداد أفق تميّزت بهما بترا كما أسرة «أس بي أس”.

وصلت بترا طوق الهندي الى أستراليا في المرّة الأولى سنة 2004 وهي التي أنهت دروسها في المدرسة الإنجيلية في لويزة بعبدا وانهت اختصاص الصحافة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. وبعدما مكثت سبع سنوات في أستراليا، ناداها لبنان مجدداً لتعود اليه سنة 2011 لتتابع الدراسات العليا في المرافقة الروحية والاصغاء في كلية العلوم الدينية في الجامعة اليسوعية، ثم الماجستير في علم النفس التربوي من جامعة سيدة اللويزة، وبين هذه وتلك درّست بترا مادة الفلسفة لمدة تسع سنوات في مدرسة الحكمة هايسكول في عين سعادة.

عملت بترا في تلفزيون تيلي لوميير في لبنان وهي التي بدأت العمل التلفزيوني باكرا وأطلّت على الشاشة بعمر 17 سنة عبر برنامج «رنّموا للرب” .

سنة 2004، عادت بترا مجدداَ الى أستراليا، لتنضم الى إذاعة «صوت المحبة» في سدني كمديرة للبرامج ولتقدّم مع الأب مارون موسى برنامجاً يومياً لمدة ساعتين بعنوان «موعد مع الحب”.

كان دكتور إيلي الهندي قبل أن يتزوج من بترا متابعاّ دائماً لتلفزيون تيلي لوميير في لبنان وكان عندما يراها تطلّ على الشاشة يقول لوالدته:»هذه المرأة سأكمل حياتي معها» وراح يتابعها الى أن شاء القدر ان يلتقيا.

لكن المعرفة توطّدت يوم التقيا على هامش الأيام العالمية للشبيبة المسيحية في روما سنة 2000، هذه العلاقة تُوّجت بالزواج سنة 2003 في غابة أرز الرب حيث التقت بشري مع كفريا – البقاع في هذه الغابة المقدسة. وأثمر هذا الزواج بنتاً وصبياً: بييتا ميا – 2005 (اسم لوحة لمايكل أنجلو) وكارلو- 2008

تقول بترا أنها قبل الزواج كانت قررت أن تكون حياتها مكرّسة، لتكتشف أن الزواج هو أيضاُ حياة مكرّسة لأن من يؤسّس عائلة كمن يؤسس وطناً.

وعن انطباعها عن الجالية اللبنانية، تقول بترا:» أشمّ فيها رائحة لبنان الطيّبة، هي جالية لا تزال تبحث عن وطن وهوية وتحمل جراحاً كثيرة، ولا أحد هاجر الى أستراليا إلا ويحمل سبباً وأن روحه لا تزال في لبنان. وهناك أناس لا يحبّون الحديث عن لبنان ليس كراهية به، بل لأن قلوبهم تعتصر ألماً لِما حلّ به وأن كل يحدث شكّل صدمة كبيرة لهم. ولأنني استمعتُ الى الكثير من قصص المهاجرين، تكوّنت لديّ انطباعات كثيرة عن ظروف المعاناة.

نحن نعيش موزاييكاً إغترابياً زاخراً بالمشاهد والتجارب والفصول. والحقيقة واحدة وهي «الهجرة المرّة”

ثم أننا نعيش على تماسٍ يومي مع الوطن العربي، مع مهاجرين من عدة دول عربية، وكل جالية تضمّ جاليات وهويات صغيرة، وعليك كإعلامي أن تكون وفياً لمهنتك وتحافظ على خصوصية وفرادة كل فئة إذ لا يمكن أن تختصر هوية فرد وشخصية أي شعب. لأن كل شخص ينقل اليك معاناته وهواجسه التي يعيشها.

ثم أن التركيز على الفرادة الإنسانية هو الذي يمنح الغنى لقصص المهاجرين.

وعليك أن تكون موضوعياً بمعنى آخر أنا بترا البشراوية اللبنانية المارونية يجب أن أبقى خارج الأستديو لأصبح بترا التي تلبس رداء التجرّد والشعور مع قضايا الآخرين.

للأسف ما زلنا نتعامل مع شعوب لأننا لم نتصالح مع الماضي ولم نعمل على تنقية الذاكرة ونعيش في وسط اغترابي ما زال جرحه طريّاً.

وعن حبّها لمهنتها، تقول بترا:» أحب أي عمل يقوم على التواصل مع الناس، وانا آتية من اختصاصّي الصحافة وعلم النفس لذا أحب أن أقرأ الناس والخبرات الإنسانية واستمع الى قصصهم، وفي كل نقاش أو حوار أضع نفسي مكان الآخر، لأننا أحياناً كثيرة نفتقد سياسة الحوار

فأنا لديّ نعمة الإصغاء، ومن لا يجيد الإصغاء لا يجيد الكلام.

في الختام عبّرت بترا عن افتخارها بالانتماء الى جالية تزخر بالكنوز على كل المستويات.