بقلم جوسلين شربل بدوي

إقتربت ساعة الصفر لخوض الانتخابات النيابية اللبنانية، وخيم طيفها على الأجواء اللبنانية سياسياً اجتماعياً و اقتصادياً. فلا صوت يعلو على صوت الماكينات الانتخابية حتى ان ضجيجها غطى على صراخ و أنين المواطنين الرازخين تحت وطأة اشد أزمة اقتصادية ومعيشية في تاريخ البلاد و العالم. يا ليت هذا النشاط والحماس اليومي وشد العصب الانتخابي شاهدناه لحل أزمة البلد.
تزامناً مع هذا القرار المصيري في هذا الزمن السيء، سؤال يراود كل لبناني من أنتخب ؟؟ و لماذا؟؟

من أنتخب؟؟ هناك فئتان من الناخبين، الفئة الأولى وهي الناخب الحزبي. من المؤكد ان الناخب اللبناني المنتسب الى حزب سياسي معين، لا داعي أن يفكر و يسأل نفسه من أنتخب لأن لا خيار له فقراره محتوم و مسيس، إذن سينتخب زعيمه و المرشحين على لائحة رئيس حزبه. ذلك بغض النظر عن آداء و مواقف زعيمه للفترة السابقة و دون محاسبته رغم أنه يعرف جيداً أن المواطن وحده هو الذي يتحمل النتيجة ويدفع الثمن. هذه الفئة من الناخبين  ستنتخب عالعمياني وتطبق مقولة “ أوعى زعيمي”.

أما الفئة الثانية من الناخبين و هم المستقلون غير الحزبيين، و هم غير مسيسين ويتمتعون بقرار حر و حرية في الاختيار. هذه الفئة بأكثريتها ستصوب نحو المرشحين المستقلين الذين قرروا ان يترشحوا في لوائح مستقلة ولديهم برنامجهم الخاص. هؤلاء  المرشحون المستقلون يخوضون الانتخابات باسمهم الشخصي دون اي صفة حزبية، لاسباب منها الاستقالة من احزابهم او لعدم الاقتناع أصلا بفكرة الانتماء الحزبي والتبعية ومعظمهم من المجتمع المدني. كما انهم ثائرون على اداء جميع الأحزاب والسياسيين المتربصين بالبلد ويحملونهم مسؤولية خراب البلد. هذه الفئة من الناخبين تطبق مقولة “كلن يعني كلن ومين جرب مجرب كان عقله مخرب”

لماذا أنتخب؟؟ إغمض عينيك وفكر ملياً بمصلحة بلدك، و بمشروع بناء دولة قوية سليمة تحترم الشرعة الدولية لحقوق الانسان .
فكر بتاريخك، بهويتك اللبنانية التي تفتخر وتعتز فيها و  بإنتمائك لبلاد الارز.
فكر بمواطن يطمح ليعيش بكرامة في بلد حر، سيد، مستقل و دستوره مصان.
فكر بشعب مقهور و مظلوم أصبح تحت خط الفقر بسبب جشع، فساد، وتسلط السياسيين من نواب و وزراء ورؤساء على مدار ثلاثين سنة
فكر بشعب فقد كرامته و حرم من أبسط مقومات الحياة. فكر بعجوز  ينهان يومياً حتى يحصل على قوت  عيشه، و على حبة دواء حتى لا يموت .
فكر جيداً  قبل التصويت في مكان الاقتراع لان صوتك مهم و سيقرر مصير وطن أصبح في قعر الهاوية.

 لا تتّسم الانتخابات حقاً بالديمقراطية ما لم يكن الناخبون واعين للتمايز القائم بين المتنافسين، ولديهم كامل الحرية
، فيتمكّنوا من القيام بخيار مدروس عند الإدلاء بأصواتهم. يجب أن يفهم الناخب أيضاً كيف تجري عملية الاقتراع في اليوم الانتخابي، حتى لا يُفوت على نفسه تلك الفرصة فتعتبر ورقة اقتراعه غير صالحة لأنه أخطأ استعمالها.

أما بالنسبة للثقة فهي حتماً ركيزة أساس الروابط البشرية في العلاقات المختلفة وبالتالي تحكم جميع التفاعلات التي تتم بين الناس ، مثالاً على ذلك العلاقة بين الناخب والمنتخب. إذن الثقة هي علاقة اعتماد بين إثنان، هي قيمة أخلاقية وإيفاء بالوعود، فالشخص المؤتمن عليه من المفترض ان يفي بوعده. من هذا المنطلق يتساءل المواطن اللبناني أين هي الوعود التي قدمها كل هؤلاء المسؤولون من الطبقة السياسية لمن انتخبهم على مدار ثلاثين سنة في تأمين حياة كريمة؟ أين هي المصداقية، النزاهة، والشفافية?

للأسف الشديد لم تكن وعودهم إلا حبراً على ورق تطايرت و تبخرت كلها في الهواء الطلق. مما أدى لفقدان هذه الثقة بين الناخب والمنتخب، إذ يظهر هذا الواقع جلياً جراء ردات الفعل الشرسة من قبل معظم الشعب اللبناني و تحميل الطبقة السياسية السيئة مسوؤلية الكساد المتعمد والانهيار الاقتصادي والمالي. وذلك باعتراف البنك الدولي الذي صرح بأن نخبة لبنان تسببت عمدًا في انهياره الاقتصادي، وأن هذه الطبقة السياسية استولت على الدولة منذ فترة طويلة وعاشت على ريعها الاقتصادي كما  يستمر هذا الاستيلاء على الرغم من شدة الأزمة  وهي واحدة من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية في جميع أنحاء العالم منذ خمسينيات القرن.
لبنان إذاً يمر بأزمات متعددة، معقدة ومتشابكة، وأهمها أزمة الثقة مع الطبقة السياسية التي تمددت مدى ٣٠ سنة و فشلت بمهامها فشلاً ذريعاً، والدليل على ذلك هي الحالة المأساوية للبلاد. لقد استلم زمام البلد ذات الطبقة السياسية و قد ترأسها ذات الزعماء الذين
احتفظوا بمناصبهم منذ أكثر من ٣٠ عاماً. وآخرين ورثوا المسؤولية والحكم عن أبائهم وعائلاتهم. هذه الطبقة السياسية تناوبت على السلطة مع تغيير المواقع، توزيع المناصب، وتقاسم الغنائم ضمن المحاصصة المفروضة والمتفق عليها منهم جميعاً. كما كانوا كلهم شهود زور على الفساد المستشري في البلد على جميع الاصعدة.

الشعب اللبناني فقد ثقته بالسياسيين يوماً بعد آخر، نتيجة فشل بعد آخر، انهيار بعد آخر. لاسيما أن لا أحداًً من المسؤولين على كل المستويات حاول أن يضع حائطاً لتوقيف هذا الانهيار الجارف الذي ما زال يجرف معه كل القطاعات الأساسية، مما أدى لخسارة القطاعات بمجملها فراحت تتهاوى الواحدة تلو الآخرى. كما أن لا أحداً منهم عمل على طرح خطة عمل اصلاحية بطريقة جدية وفعالة لانتشال البلد من الانهيار الساحق.

سنتان و نصف مضت على الانهيار الكلي، ولم يكفوا هؤلاء السياسيون، المغرورون، والمتعجرفون، عن اطلالاتهم التلفزيونية المتكررة، لتلميع صورتهم التي تشوهت، و يظهرون كقديسين يرشحون الزيت والهالة البيضاء فوق رؤوسهم. كما أنهم لم يتوقفوا عن نشر خطاباتهم الرنانة، الكاذبة و الغير مجدية. إن همهم الوحيد هو عرض بطولاتهم واتهام الفريق الآخر بكل ما يحصل من أزمات، ليعود  هذا الفريق الآخر ويرمي المسؤولية  على من اتهمه. هذه الإتهامات المتبادلة  تفسر و تثبت بأن الكل متواطئ و مشارك بما آلت اليه البلاد .

ان المواطن اللبناني يجد نفسه أمام سياسيين وزراء ونواب يسمع منهم كلاماً وردياً، ثم يجد الحصاد شوكاً. فالمسؤولون الذين يعتبرون أنفسهم منتخبون وممثلون من الشعب وهم المولجون بأمور البلد لم يبادروا بأي إنجاز فعلي لوقف هذا النذف المدمر.
لذا سئم اللبناني وكلّ وملّ من وعودهم. كما يئس منهم جميعاً ولم يعد يرى غداً مشرقاً في وطنه. من يحصل على فيزا يهاجر، ومن يرمي نفسه في زورق الموت، ومن لا حيل ولا قوة له ينتظر الفرج. ربما سيجد المواطن اللبناني خشبة خلاصه بانتخاب مرشح مستقل منتفض على الطبقة السياسية المتملكة والمسيطرة على البلد لتوصله الى بر الأمان. وفي حال  لم يحصل التغيير سينتظرنا خراب لا تحمد عقباه و ازمة طويلة الامد.