وصلتني هذه الرسالة، أنشرها لكم
لا يمكن نسيان الماضي

نهى راوي – أستراليا

أقرأ الآن في كتاب (ما دونّه الغبار) للكاتبة دينا سليم حنحن، وأتابع برامجها في الإذاعة، وأقرأ لها دائما في الصحف الأسترالية، هي وجه ثقافي معروف، لكنني لأول مرة أعلم إنها كاتبة روايات إلا بعد أن تحدثت في حوار في الإذاعة الحكومية هنا.

أقرأ وأعود إلى هناك، إلى الزمان الذي لا يعود، وأتمنى ألا تعود الأحداث المخزية، تهجير، هروب، وترحال، وانقسام عائلات، وجوع وعطش وبكاء، من يقرأ هذا الكتاب، يضيع، والضياع المقصود هنا، الضياع بين أحداث الماضي، وما عشناه، وبين رفاهية الحاضر الذي نعيشة الآن.
لست كاتبة، ولا ناقدة، لكنني قارئة، عمري الآن يزيد عن الخامسة والثمانين، ولدتُ في يافا، وهاجر الأهل في النكبة من مدينة يافا، وأذكر الكثير من الأحداث التي حصلت، وعندما قرأت الكتاب، لم أستطع إلا الاستمرار في القراءة، وتوقفت عند فصول حملت حوارات بين الشخصيات، ذكرتني اللغة العامية بعائلتي، ما زلنا أحيانا نتحدثها، ما أجملها من حوارات بين نصري رزق الله وزوجته ندى، حوارات أهل غزة، أم ميخائيل، وجميلة مع ندى، ورشدي مع جميلة.
التجأ أهلي إلى اللد الى أحد معارف والدي في العمل، هربوا مع الهاربين، لا أذكر الكثير، لكن الذي أتذكره هو، عندما ساعدنا أحد الرجال، نحن الأطفال والنساء الركوب في حافلة أرادت أن تقلنا إلى خارج يافا،، ذهبنا إلى اللد، كانت أكثر المدن أمانا، وكان فيها مقاومة، أذكر انه سقط طفل من الحافلة، كانت هناك قرية صغيرة على الطريق، هرب أهلها ولحقوا بنا، صرخوا إلى السائق وطلبوا منه التوقف، وأعادوا الطفل إلى السيارة، كان جريحا وسالت الدماء من وجهه، ركبوا معنا، حملوا السلاح، خافت النساء، وبدأنا نبكي، قالوا (لا تخافوا نحن فلسطينية).

في اللد اختفى الرجال تماما، وبقينا نحن ننتظر بجانب شجرة الجميز، أظن اننا كنا هناك، وحسب الوصف الذي كتبته الكاتبة للمكان، تحدثت عن نبيهة الخرساء، التي وقفت وأكلت من الجميزة، وصفها للمكان صحيحا، أكلنا نحن أيضا منها، وجلسنا تحتها على أرض ترابية.

وبدأت أتذكر ما كان منسيا، لكنني وحسب ما أخبرني به والدي رحمه الله، اضطررنا الهرب إلى غزة، كانت آمنة في حينه، وبقينا عند أقارب لنا، ولحقت بنا العائلة وتركوا بيوتهم، لا أذكر من يافا سوى البحر، والبيوت المبنية من الحجارة والشارع المؤدي إلى الكنيسة، لا أذكر اننا نزلنا الى البحر للسباحة.

في هذا الكتاب، أعيدت الذاكرة الي، واللهجة، والبيئة الاجتماعية، وصفت الكاتبة الحالة التي عاشها الفلسطيني، تحدثت كثيرا وعن أشياء كثيرة، سوف أكمل القراءة، وسأحتفظ في هذا الكتاب الثمين، فيه يوجد تاريخنا وتفاصيل حياتنا، لم أزر فلسطين أبدا.

تركنا غزة ونزحنا إلى الأردن ولد أخي الصغير في الزرقة، وذقنا مرّ العوز والحاجة، ثم هاجرنا إلى أستراليا.

أتمنى أن ألتقي مع الكاتبة دينا حنحن شخصيا وأحكي لها عن حكايتنا الطويلة، وأتمنى أن تصل هذه الرسالة إليها، ونشرها، وشكرا لها على ما قدمته من عمل كبير، وعلى الجميع أن يحتفظ به في بيته لأهميته. وسامحوني على الأخطاء اللغوية.