بقلم المهندس نقولا داوود

ويبقى جاري العزيز يتردد علي ويكتفي بفنجان قهوة ،
فقط لانه يصوم  عارفًا ان صومه هو غذاء روحه ،
كما ان غذاءه المادي هو طعام جسده ،
فيحتاج لغذاء الروح والجسد ،
والنعمة هي فقط لسد رمق ذلك العوز ،
وتوزيع بقايا النعمة المقدسة على نفوس وأجساد جائعة .

وعند عودتي من سماع الامواج التي تعكر صفو الليل اسمع أغنية فيروز  * سكن الليل* ،
وحسبت ان  ذلك صنع خيالي الذي يسكن الامس  ، ويرفض القدوم الى الحاضر ،
لكن لا، هذا هو جاري ،
الجالس  على مقعد ينشد الأغاني القديمة ،
وتسبح سجيته حرة على الامواج ،
وتذهب مرات يوميا لاستكشاف المدى البعيد الذي لا يعرف الحدود.

اجلس بجانبي يا جاري العزيز ، اشتقت إليك لانك تجيد الاستماع،
ارجوك ان تكون تغييريا لا وارثا  ، هكذا يقول،
ارجوك ان تكون متجددًا ومجددًا ،
تأخذ افكار عظماء بلادك وتضيف عليها ، لا ان تقبع فيها،
ارجوك ان تبدع وتطور وتفعل،
لا ان تغرق أرجلك في الوحول الدهرية،
وتترك الحركة والإبداع للأمم الأخرى.

انت يا رجل اليوم صانع رجل السياسة في بلدك،
انت من تعطيه حسن المبادرة للإنتاج وتوظيف نجاحه  بفرح في تطوير المجتمع ،
وأنت من تجعله سارقا وهاربا  الى شوارع الأمم الأخرى ،  يحتمي في كنفها ،
فيخسر وطنه ووجوديته وكرامته،
ويربح المال المنهوب الذي يشبه فضة يهوذا المذلة،
انت المسؤول عن كرامته لانه سيستيقظ يوما فاقد الوطن والكرامة معًا.
التغيير يأتي منك ،
من صندوق الانتخاب،
ومن وعيك لإنتاج السلطة العادلة والمطلوبة.

المستقبل هو نتاج رجولتك او إذعانك،
نتاج نقاء ثورتك او عفن جبانتك،
نتاج صرخة روحك المحررة او نومها واستسلامها،
نتاج تمسيح  الجوخ الذي عودت نفسك عليه  ،
وقبول او رفض نعمة الحرية التي أغدقت عليك.

انت صانع السلطة التي توازي بين الإبداع والعدل،
بين الطموح والعطاء،
بين النجاح الفردي وحب النجاح للمجموعة،
انه الفن العظيم الذي أتقنته الدول الراقية ،
التي تتوجه الى الأمام ،
وتتعلم كل يوم جديد دروسًا من الامس والماضي القريب والبعيد.

انت صانع رجل الدين ، أي مهذب الأرواح لتدرك سلامها،
لا تطلب منه بتولية وتسكنه بين الغواني،
جسده سيجوع ويتوق الى حاجته الجامحة،
لماذا تعطي جسدك التخمة وتفرض الصيام على الآخرين؟
ولماذا تفرض عليه التقشف الذي لا تستطيع انت تحمله ؟
وتسكنه شاردا مخيرًا بين زيارة الأكواخ والقصور  ،
وتعطيه المفاضلة بين المجتمع المخملي والفقر المدقع؟
انت من يعطيه الاكتفاء، ويساعده على النقاء،
انت ستساعده على ادراك جمال رسالته،
ويدرك جمال روحانيته ،
انت من تحفزه على العفة،
او الغرق في الأنانية  والشره،
صمتك لن يصنع الفرق،
صراحتك هي اداة التغيير ،
الصراحة المرفقة بالحب هي الأجدى والأسلم،
اجعل من ذاتك وبيتك ودنياك ديرا حيا يعطي الماء والغذاء الروحي والجسدي،
فتغير الأديرة العقيمة من ثروات باردة تتطلع اليها عيون الفقراء بازدراء ،
الى ينابيع عطاء باردة في عز الصيف الحار .

انت يا ولدي من يكسب عامل النظافة كرامته،  أعطه تسمية جديدة : مهندس النظافة.
انت من يعطي للمرضة أجرها سهرًا وعناء: الملاك الساهر.
انت من يعطي الكرامة لرجل الأعمال قيمته : المجاهد المعطاء.
انت من يعطي للمعلم قيمته:  المعلم الصالح.
انت صانع الفضيلة بالتعرف على صنع الفضائل وكيفية الوصول اليها.
انت مهندس المجتمع ،
أنت المسؤول عن الحاضر ،
أنت من يحضر الأرضية الصالحة للأجيال القادمة.

ومن انا لتضع علي هذه المسؤولية ؟

انت صاحب الصوت في الانتخابات،
انت الصوت الصارخ بين جدران بيتك،
انت من أعطيت كل العلم والتجربة والمعرفة الى الوقت الحاضر ،
انت من أعطيت كل التضحية ،
انت الوارث لمن صلب من اجلك ،
وعلماء بلادك النهضويين، ،
وجهاد اجدادك وتعبهم،
انت من يغير أولويات المجتمع .

انت من سيحمل الماضي الى المستقبل ،
ويعزف  مع الأوركسترا ،
ليكون الحاضر أغنية للمستقبل،
يظهر لي  انك احببت أغنية *سكن الليل*،
أريدك  ان تنشد مثلها ،
الست انت من ارض جبران ذاتها ؟،
أريدك ان تغني مثل فيروز  وتلحن مثل عاصي وتذوب في الأغنية مثل وديع،
حاول،
ربما تبدع غناء او عزفا،
او ان تحمل معولا في أي حقل وتقدم للبشرية عطاء مشابها،
ربما تكون المعلم والرياضي ورسامًا تكاد اللوحة ببراعته تنطق،
لا ان تكون فقط مستهلكًا،
اعطاك الله ابداعات كثيرة ،
عليك التعرف عليها والعمل من اجل تطويرها .

شكرا يا جاري العزيز،
كم انا محظوظ بحسناتك على روحي المتعطشة،
جهادك واضح ويرمز الى الفخاري الذي يصنع الجرة بحرفية ومهنية،
ويفرح انها ستحوي الماء والزيت والخمرة،
المخاض والعذاب هما صنوان لصفات الأم وجهاد الأب،
وجهاد وامل المعلم الذي سيضفي يوما فرحًا ،
ولكن غيابك عني هو موت لعزيمتي،
كم انا بحاجة  إليك.