استراليات
بقلم هاني الترك By Hani Elturk OAM
جريدة النلغراف
حينما كنت أصل الى مكتبي في الصباح كان يأتيني موظف من القسم المجاور يسألني عن الاطلاع على صحيفة «سدني مورنيغ هيرولد» التي احضرها معي كل يوم.. وهذا الموظف لا يقرأ سوى قسم الوفيات.. سألته يوماً لماذا هذا الاهتمام المفرط بقراءة الوفيات فقال: ان قريبه المريض في المستشفى المصاب بمرض خطير ينتظر موته بين لحظة وأخرى.. ولكن يبدو ان روحه طويلة فقد عاش أكثر مما توقعه الأطباء.
اندهشت سائلاً أصدقائي الاستراليين في المكتب لماذا لا يذهب هذا الشخص الى قريبه في المستشفى ليسأل عنه ويودعه بدلاً من ان ينتظر قراءة خبر وفاته في الصحيفة حتى يحضر جنازته؟
لم يشاركني أصدقائي في العمل هذه الدهشة.. ولكني قلت لهم: الى هذه الدرجة وصلت برودة الاعصاب وجفاف العواطف.. بل انعدام الإنسانية بين الأقارب والأصدقاء.. فلماذا لم يذهب صديقنا هذا ويزور قريبه في المستشفى؟
فكان ردهم ان لا داعي لذلك.. ويكفي معرفة الخبر من الصحيفة.
بعد مرور ما يقارب الشهرين عن قدومه لي صباحاً توقف صديقنا فجأة عن القدوم الى مكتبي لاستعارة الصحيفة.. فعرفت ان قريبه قد مات.. وحينما قابلته اردت ان استوثق من معرفتي فقال لي: نعم لقد مات وحرقت جثته لهذا لم اعد أتى اليك لقراءة الخبر.. فقد قرأته في الصحيفة اثناء غيابك عن العمل.
لقد اردت ان اعرف المزيد عن طبيعة هذا الزميل فقلت له: هل كان المرحوم مؤمناً؟ قال: نعم.. قلت له وهل انت مؤمن؟
قال: لا.. فأنا انتهج العلم.
وبعد مرور عشرين عاماً على تلك الحادثة قابلت موظفاً صديقاً اخر كان يعمل معنا في تلك الدائرة.. فسألته عن اخبار ذلك الموظف الملحد.. فقال: لم يهتدِ الى الله.. فقد أصيب بمرض عضال..
وخضع للعلاج.. وعاش وحيداً في منزله.. لم يتزوج ولا أحد حوله ويعاني من الوحدة والمرض.. يتناول العقاقير الطبية.. وذات صباح شعر بآلام حادة.. فتح شباك منزله وقال: يا رب أعطني القليل من العلم والكثير من الايمان وسقط ولفظ أنفاسه ومات.
ان مصيبة هذا المجتمع الغربي مثل استراليا لان نسبة الايمان بين الناس ضئيلة.. فإن أعظم حب في الوجود هي الايمان بالله ومحبته.. وأعظم موهبة يمنحها الله للإنسان هي الايمان.
يمكن القول انه من الأفضل ان يكون الانسان مريضاً ومؤمناً على ان يكون معافى غير مؤمن.