أنطوان القزي
قد تخلد النجمة إلى سباتٍ عميق على أطراف الهزيع. قد تتأخّر الأقباس في ارتياد الصباحات، وقد يغفو الأريج على أعناق الأقاح..أما أن تغيب بناتُ الشعرِ عن مملكة الضوء، فتلك لعبة الجمال بين رقصة اليراع وغنج السطور.
معها تسدل الثريّا أرجوحة الأسحار، معها تغزل أكمام الغمام جدائل الرذاذ.
ماري الظواهرة تركن غزالة شِعرها في مساكب النسرين ليغرف الضوء لوناً من دوحتها.
هي التي انتحلت كل الأسماء وأيقظت أسرجة المساءات، هي التي مسدت رموش الضفاف ونسجت أثواب الرياحين، وهي التي تعصر الأنداء ريقاً للأنهار.
ماري الظواهرة، شاعرةُ رمت مفاتيحها خلف أبواب الوقت، وعلقت دررها في سوار قوس قزح ونثرت خيوط هيولاها شروداً يلتحف ضباب الرواسي.
هناك يُسكر الصدى حوريات الجزر البعيدة، هناك ينثر القبطان
أنفاس الزبَد على أكتاف المنارات العاشقة، وهناك ترك قدموس رسالة قبل أن تمحوها شفاه الأمواج.
شاعرةٌ تأسر الأمكنة خلف غلالاتها، يهجع المكان الى مراياها المزرورة على خدِّ البراعم.
عابرةٌ تمارس طقوس المطر ، تغسل وجهها مع تثاؤب الفجر بأكواب غافلت سحر الينابيع
لتسافر على جنح فراشة أضاعت ثغور الاقاح.
وفي حنينها إلى مرابعها ، تطأ زادها من تراب وطنٍ أدمنت هواه حتى آخر بيتٍ من قصيدتها، وتعرّت مناديلها الرمضاء إلا من حبّه الآسر.
تأخّرت ماري ظواهرة ، قبل أن تهدينا أبجدية الياسمين، تأخرت حروفها لتهطل على شفار أحداقنا، وانتظرتْ طويلاً قبل أن تستلّ القلم وتصنع رغيفها من قمح القصائد.
تحلم ماري في بلاد الكنغر، تتوسّد العشقَ وتألف السلام،وعيناها ترحل الى شاطئ أوغاريت، هناك كانت الآلهة تروّض جنون الروح قبل أن تسلّم المشعل لشاعرة ذاب خمرها في خوابي الباسيفيك .
وفيّة ماري لدمشق وحاراتها العتيقة، عاشقة وهي تتأبّط الوقت تبحث عن قيثارة تشبهها.
تسامر عشتار وهي تمخر عباب الزمن على سفينة مولودة من رحم العاصفة.
ما أجملها وقد أدركت الأمواج تدفن سرّ الملوحة طيّ الرمال.
ما كان يجب أيتها الشاعرة الرقيقة أن تأسري هذا الأريج، فليس للرياحين أن تحبس عطراً هو ملك الأمداء.
وليس للغيمة أن تأسر رذاذاً هو ملك الطلول.
شكراً لكٍ تهديننا باقة من بستان خميلك اللماح، شكراً لأنامل أفلتت الريشة من عقالها لتملأ كؤوسنا خلف البحار السبع زلالاً من رحيق ذاك الشرق..