أنطوان القزي
سنة 2005، ساد القلق في فنلندا بسبب التراجع الكبير في عدد الولادات، ودعت حكومة هذا البلد الأسكندنافي المصقع خبراء الإجتماع وتحديد النسل الى لقاء طارئ لمعالجة المشكلة، وبعد يومين من اللقاءت والطروحات، نصح أحد الخبراء باعتماد النموذج المصري!، وراح يشرح فكرته:” إن النمو السكاني في مصر سريع جداً لا بل انه يشكل مشكة هي عكس مشكلة فنلندا ، لأن التيار الكهربائي لا يصل الى مناطق مصرية كثيرة إذ لا شيء يلهي الأزواج من تلفزيون أو انترنت فيضطروا الى الإيواء الى الفراش باكراً.
وطرحَ هذا الخبير فكرة قطع الكهرباء عن المواطنين الفنلنديين في أيام محددة، ساد الهرج والمرج بين الحضور الذين استغربوا الفكرة في البداية، لكنهم سرعان ما تبنوها ، وبعد تسعة أشهر من الإنقطاع الأول للكهرباء ازداد عدد المواليد بصورة قياسية في فنلندا وباتت الدولة تتحكّم بعدد المواليد من خلال التيار الكهربائي.
لكن في لبنان حصل عكس ذلك، فعدد الولادات يتراجع بشكل مخيف رعم الإنقطاع المتواصل للكهرباء، وكي تعرفوا لماذا؟!. إقرأوا معي هذا الحبر:
“فضلت السيدة اللبنانية العشرينية هيام الخضوع لعملية إجهاض، خلال فترة الصيف “الملتهب” على حد وصفها بدلاً من إنجاب طفل ثان في بلد تمزقه الأزمات وتلفه من كل حدب وصوب.
ورغم قرارها “العقلاني”، كما تقول، فإنها تعبر عن “حزنها العميق وخوفها من مخالفة الشرع”، لكنها تستدرك بسيل من الأسئلة: “من أين سنؤمن الحليب والحفاضات والأدوية؟ وكيف سنتمكن من تحمل تكاليف مصاريف طفلين؟ وقبل ذلك كله في أي مستشفى سألد الطفل وبأي تكاليف؟”.
تحكي هيام أن القرار لم يكن بالسهل، ولطالما تمنت أن يكون لابنتها (عام ونصف) أخ أو أخت، “سند لها في الحياة” تقول وهي تشد على يد ابنتها الصغيرة: “لكن الجريمة الأكبر من الإجهاض هي إحضار طفل لا حول له ولا قوة في بلد لا نعلم أي قعر سنضرب فيه”.
وتروي سابين (36 سنة) التي مر على زواجها أربعة أعوام أن حلمها بالأمومة “قد يكون تبخر مع كل ما نشهده من أزمات في لبنان”، وتحكي أنها تزوجت في عام 2018 واختارت هي وزوجها تأجيل خطوة الإنجاب لمدة عامين للتمكن من سد ديون حفل الزفاف وأثاث المنزل والاستمتاع أيضاً بالحياة قبل تحمل مسؤولية كبيرة كإنجاب طفل”.
وتقول: “في عام 2019 حجرنا بسبب (كورونا) وخسر زوجي عمله، ومن بعدها كرت سبحة النكبات من ارتفاع في سعر صرف الدولار بشكل جنوني وصولاً إلى رفع الدعم وتحليق أسعار السلع والمحروقات والمواد الغذائية حيث بات ما أجنيه من عملي بالكاد يكفينا”، وتضيف “من الغباء أو ربما من الظلم أن ننجب طفلاً وسط كل هذه المشاكل؛ لذلك قررنا اللجوء إلى طرق تحديد النسل رأفة بأنفسنا”.
ولأن الإنجاب يتطلب تكاليف مالية مرتفعة تبدأ مع الحمل وخلاله وبعده، الأمر الذي لم يعد في متناول أغلبية الأسر اللبنانية، ومن بينها عائلة سابين وزوجها، تخشى أن تمر السنون من دون أن تحقق حلمها بإنجاب ولد يملأ حياتهما”.
وفي هذا الإطار، يؤكد أحد العاملين في إحدى الصيدليات الكبيرة في العاصمة بيروت أن الطلب على حبوب منع الحمل وغيرها من أساليب تحديد النسل ارتفع بشكل لافت”. لكنه يشير أيضاً إلى أن العديد من الأشخاص توقفوا عن شرائها خصوصاً مع ارتفاع سعرها بشكل كبير.
وبعد،هل هناك مأساة أكبر من هذه؟
حتى لعبة التيار الكهربائي ما عادت تفيد عندنا؟!.