مروان كيال
غالبًا ما يتردّد عند مواجهة أية عقبة حياتيّة إنّه يجب التركيز على النصف الممتلئ من الكوب وليس على نصفه الفارغ، وذلك في محاولة لزرع الإيجابية في النفس، بدلًا من التركيز على المنحى السلبي لأي حدث أو خبرة حياتية جديدة. ولكن هل هذه المقاربة كافية للمحافظة على بذور الإيجابية في النفس في مواجهة ما تفرزه تجارب الحياة من يأس أو قلق أو خوف…؟
يُجيب علم باطن الإنسان – الإيزوتيريك في هذا الصدد أنّ السؤال الأهم الذي يجب طرحه هو حول سبب “فُقدان” نصف الكوب انطلاقًا من حقيقة أنّ ما من نتيجة من دون سبب وما من سبب من دون محرّك… وتحديدًا من دون فعل إرادي مارسه الإنسان ذات يوم فارتد عليه بعد حين، إما إيجابًا أو سلبًا، انطلاقًا من قانون السبب والنتيجة، أو كما تزرع تحصد.
لذا، فإنّ النظر بإيجابية إلى تجارب الحياة الأليمة من دون وعي أسبابها أولاً، يُعدّ نوعًا من الهروب إلى الأمام أو مثالية في التفكير ينمّ عن تجاهل لواقع النفس. هذا الأمر يستدعي مزيدًا من تجارب الوعي، وربما مزيدًا من الألم النفسي، إلى أن تعي النفس الأسباب أو نواقصها الداخلية وتبادر إلى التصحيح عبر التصرّف الإيجابي المعاكس، فكرًا وقولًا وعملًا.
وبالتالي، فإنّ على النفس مقابلة التجارب الحياتية بالمسلك الإيجابي وليس بمجرّد النظر بإيجابية إلى الأمور، وإلا وقعت في فخّ التنظير ووهم التطوّر الذاتي… والسبب إغفال سرّ هذا التطوّر، ألا وهو التطبيق العملي الحياتي اليومي، كونه السبيل الوحيد لترسيخ الإيجابية في النفس وحلولها النهائي مكان السلبية أو النواقص الكامنة فيها، سيما وأنّ هذه الأخيرة ما رَسَخَت في النفس إلّا عبر ممارستها عمليًّا بادئ الأمر.
هذا ومسار التطبيق العملي المذكور يجب أن يبدأ برؤية داخلية واضحة لنواقص النفس، يتبعها فعل إرادي لمعالجة تلك النواقص بالإيجابية المناسبة… فعل ينطوي على مواجهة داخلية لا تخلو من جرعات المرارة والألم، دليلا النفس على فعالية العلاج الجاري تطبيقه.
أما النتيجة فسرعان ما تنجلي على شكل شعور عميق بالراحة النفسية، راحة محارب انتصر للتو في معركة مصيرية في مواجهة عدو لدود… تبيّن بعد اندثار غبار الثورة الداخلية أنّه مجرّد وهم نسجته نواقص النفس على نول اليأس والقلق والتردّد والخوف والكسل، وغيرها من الأوهام التي تحتمي بها نواقص النفس عندما يحين أوان المواجهة الداخلية…
وبالعودة الى تجارب الحياة الأليمة، فإنّ مصيرها الزوال حتمًا وبالسرعة التي ظهرت فيها، وذلك بمجرد تحقيق الانتصار الداخلي على سلبيات النفس، ومعالجة الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تلك التجارب بالتصرّف الإيجابي المناسب. لا بل إنّ هذه التجارب، كما يكشف علم الإيزوتيريك، ما وُجدت إلا كي يتخطّاها المرء ويتغلّب على ما يعيق تطوّره من سلبيات تلاحقه من دورة حياة إلى أخرى.
وأستشهد بهذا الخصوص بما جاء في كتاب “تعرّف إلى وعيك”، ص53 للدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، مؤسّس مركز علم الإيزوتيريك الأوّل في لبنان والعالم العربي: “شاءت العناية الإلهية أن يعمل الوعي الباطني بما تقتضيه الحكمة، بحيث تتجسّد الإيجابيات على شكل فرص تُمنح للانسان، والسلبيات على شكل تجارب تعترض طريقه كي يتمكّن من تخطّيها والتغلّب على ما لم يتمكّن من التغلّب عليه في حيواته السابقة…”
أما النظر بإيجابية إلى الأمور، وإن كان يشكّل وجهة نظر لا بد منها لاستعادة التوازن الداخلي عند تمظهر التجارب في حياة المرء، لكنه يبقى قاصرًا عن مواجهة هذه الأخيرة وتحقيق الانتصار عليها، إن لم يتّجه داخليًا حيث تكمن حقيقة المرء وكل ما يدور في فلكه… وحيث تتردّد أصداء القول الخالد داعيًا الإنسان منذ أن وُجد: “اعرف نفسك، تعرف كل شيء…”.