بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
يعتبر الكاتب الفذ اللبناني الأصل ديفيد معلوف أهم أدباء استراليا المعاصرين.. وأكثر الأدباء الاستراليين الذين حصلوا على جوائز استرالية وعالمية تقديراً لأعماله الأدبية.. وقد يرشح لجائزة نوبل للآداب.. وهو يقول انه يحاول إكتشاف جذوره (الأوروبية).
تنكر معلوف لدمائه اللبنانية التي تتدفق في عروقه.. ولم تظهر الثقافة اللبنانية والعربية في أعماله الأدبية. في كتابه
“12 Edmonstone Street” ذكر فيه جدّيه وثقافتهما اللبنانية.. وهو الكتاب الوحيد الذي ينتمي الى التعددية الثقافية في استراليا.. يلقي فيه معلوف الضوء على أسباب غياب الثقافة العربية في أعماله.. وهو يقول ان جديه قد هاجرا الى استراليا عام 1880 وبطريقة عشوائية تماماً.. ربما كانت الولايات المتحدة او أميركا اللاتينية او غيرها من البلدان.. فعمل جده بجد وكد في استراليا من اجل لقمة العيش ولم يحصل على الجنسية الاسترالية.. ما أدى الى إعتقاله من قبل السلطات الاسترالية أثناء إندلاع الحرب العالمية الأولى.. بصفته حاملاً الجنسية التركية حيث كان لبنان يرزح تحت الحكم التركي.
كان والد ديفيد (جورج) رجلاً هادئ الطبع منغلقاً على نفسه لا يتكلم إلا القليل.. ولا يختلط مع أبناء جنسه من اللبنانيين.. لم يتلق تعليمه.. كان سائقاً لعربة نقل الفواكه يعمل طيلة النهار في سبيل لقمة العيش.. لا يوجد لديه الوقت للحديث مع أبنائه.. وكان يشعر بالنقص تجاه زوجته الإنكليزية وأولاده الذين كانوا مولعين بقراءة الكتب.
كان جورج الوالد يخفي طوال عمره هويته اللبنانية وثقافته ولغته العربية التي استقاها من أبويه اللبنانيين (أي جدي ديفيد).. فسخر كل إمكاناته النفسية والعقلية من اجل كبت الشخصية اللبنانية في ذاته وأمام المجتمع.. حاول جاهداً ان يكون استرالياً صرفاً قلباً وقالباً.. فمع انه كان يعرف اللغة العربية الا انه كان يرفض التحدث بها.. ولم يعلم إبنه ديفيد أي حرف منها.. وبذلك لم يساعد الوالد جورج في تغذية إبنه ديفيد بالثقافة اللبنانية.. لأنه هو نفسه سحقها في أعماق ذاته.. ولابد ان جورج الوالد قد عانى وتألم الكثير نتيجة كبته للشخصية اللبنانية في نفسه.. أي ان الحلقة المفقودة في تنشئة ديفيد هي والده الذي لم يعرفه على الوجود اللبناني الفاعل في شخصيته.. والذنب ليس كله ذنب والده.. ولكن الوالد نفسه كان ضحية المجتمع الاسترالي العنصري في ذلك الزمن.. الذي كان يُنظر للمهاجر غير الأنغلوساكسوني نظره قذرة يشوبها الشك والريبة ويمتنع الاختلاط به.
فلو عاش الوالد جورج تحت ظروف الحياة الحالية.. أي تحت مظلة سياسة المجتمع المتعدد الحضارات التي تطبقها استراليا هذه السنوات.. لما كان عانى ذلك العذاب الشخصي ولما عاش آلام الإغتراب النفسي.. وكان قد مارس حياة طبيعية غير مصتنعة تتبدى فيها معالم الثقافة اللبنانية.. مما كان سيؤدي حتماً الى تطعيم الثقافة اللبنانية في شخصية إبنه ديفيد.. وإلى إثرائها وإظهار عناصر مادتها في روايته.. وكنا قد وجدنا في أعمال ديفيد الأدبية صلة الوصل بين الحضارة العربية والحضارة الغربية على صعيد البنية التحتية النفسية والاجتماعية للكاتب.
ولكن لسوء الحظ كان تأثير أم ديفيد الإنكليزية والمجتمع الاسترالي الأنغلوساكسوني كاسحاً ساحقاً على شخصيته.. مما أسهم في تشكيل أدبه بتلك الصورة الغربية تماماً والتي لا تضم أي عنصر لمعالم التراث العربي.. لأن الكاتب -أي كاتب- يعايش أحداثاً وشخصيات في حياته تظل في الذاكرة الى ان يأتي الحدث ليستدعيها ويخرجها الى حيز الإبداع الأدبي.. وأحد الدوافع الاساسية لكل كاتب حاجته الى الاستقرار النفسي وتفريغ تجربته على الورق.
فيا أبناء الجالية العربية إنتبهوا وتأكدوا ان تغذية أبنائكم بالثقافة العربية وتنشئتهم عليها الى جانب إشباعهم بالثقافة الاسترالية هو جانب هام في تشكيل شخصية الفرد.. وإثراء تجربتهم وتنمية موهبته سواء كان فناناً أو كاتباً او حتى شخصاً عادياً.. فإنها مسؤولية تاريخية في أعناقكم بالحفاظ على التراث العربي وإحيائه عبر الأجيال.. وخصوصاً في عالم الابداع الفني الادبي.
(هذا ملخص مقالتي عن غياب الثقافة اللبنانية في أدب ديفيد معلوف في العدد السنوي للتلغراف الذي يصدر في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الاول المقبل).
Omar Jamal