بقلم هاني الترك
By Hani Elturk OAM
غداً الخميس 11/11/2021 الساعة 11 صباحاً هو ذكرى مرور 103 أعوام على انتهاء الحرب الكبرى في 11/11/1918.. تتوقف الحياة لمدة دقيقة حزناً على أرواح الذين قتلوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية.. والذي يسمى بيوم التذكر.. توضع أكاليل الزهور على أضرحة الشهداء في كانبيرا.. وفي مختلف عواصم الولايات.. وتُلقى الكلمات إحياءً لذكرى الجنود الاستراليين الذين دافعوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية عن الحرية والبشرية.. في غاليبولي والجبهة الغربية والشرق الأوسط.. ومنحوا حياتهم لكل طفل يولد.. ومهدوا الحياة ترحيباً لكل مهاجر.
في 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى بين دول الحلفاء.. وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة.. وبين دول المحور تتقدمها ألمانيا وتركيا والنمسا.. أما استراليا التابعة للكومنولث فكان ولاؤها جملة وتفصيلاً للإمبراطورية البريطانية.. ودخلت الحرب لتلعب دوراً أكبر من حجمها.. حيث لم يكن تعداد سكانها يزيد عن أربعة ملايين ونصف مليون نسمة.. وقد أجرت الحكومة الاسترالية في ذلك الوقت استفتاء بين صفوف الشعب لجعل الخدمة العسكرية للمشاركة في الحرب الكبرى إجبارية.. ولكن الاستفتاء فشل.. ورغم ذلك تطوع 400 ألف جندي أسترالي للدفاع عن الإمبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس.. ومات منهم 61 ألف و919 جندياً أسترالياً.. و45 ألف منهم ماتوا على الجبهة الغربية في فرنسا.. فقد قتلت الحرب العالمية الأولى 40 مليون شخص.. ولولا أن أستراليا كانت تضع قواتها في مقدمة الجيوش لما تمكنت دول الحلفاء من الفوز بالحرب.
وقد تم منذ فترة تسجيل قصص الحرب المأساوية بأصوات القلائل الذين بقوا على قيد الحياة.. وهذا التاريخ الشفوي عن قصصهم بأصواتهم محفوظ للأجيال القادمة.. وأصبح جزءاً هاماً من التراث الأسترالي.. ومن ضمن هذه القصص الحزينة المسجلة على شرائط قال هاوارد بوب الذي حارب في فرنسا وبلجيكا أنه يذكر في معركة البرت الذي بدأ فيها الألمان الهجوم على القوات الاسترالية أنه أنهالت عليه القذائف الألمانية.. ولكن جاء الأمر بعد ذلك للقوات الألمانية بالانسحاب.. فقاموا بالتراجع السريع.. وأخذت القوات الاسترالية تحصدهم من الخلف أثناء انسحابهم بلا رحمة.. وكانت مجزرة رهيبة.. وقال هاوارد بوب أنه لا يزال يتذكرهم ويراهم حتى هذه اللحظة أمام عينيه.. وهم يقعون على الأرض والدماء تنزف من أجسادهم بغزارة.. وهذا المنظر لا زال عالقاً في مخيلته ومسيطراً على شعوره.. وتساءل بوب لماذا لم يستسلموا حتى يقعوا أسرى بدلاً من قتلهم وذبحهم.. ولكن هذه هي الحرب تقتلُ او تُقتَلُ.. أما المحارب القديم تود ماثيو الذي توفي عن عمر يناهز 102 سنة.. والذي خدم في غاليبولي وبعد ذلك في الجبهة الغربية فقال في التسجيلات أن أصل كلمة Diggers أي الحفارون كانت تطلق على الأستراليين في غاليبولي.. الذين يقومون بالحفر.. وكلما كان عمق الحفر أكثر يبقى الجنود على قيد الحياة مدة أطول.. وكان الجنود يقولون لبعضهم الآن نحن حفارون.. ومن هنا اطلق على الجنود الأستراليين “الحفارون”.
وكان ماثيو قد ذهب قبل وفاته إلى فرنسا وتسلم وسام الشرف.. وزار قبور رفاقه الموتى وأرض المعارك هناك.. وقال في التسجيلات أنه عندما عرف أنه تم التوصل إلى الهدنة بين الأطراف المتحاربة ذهب إلى باريس وأمضى فيها عشرة أيام.. ألقي بعدها القبض عليه وأرسل مرة ثانية إلى الوحدة التي ينتمي إليها.. وقال أنه يأسف أنه لم يذهب إلى باريس ليلة الهدنة.. فقد تجمعت النساء الفرنسيات حول الجنود وعقدن حلقات رقص وأخذن يقبّلنهم بالقوة.
هذه ذكريات أليمة عن الحرب الكبرى وفي العاشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر عام 1918 تم التوصل بين الحلفاء والمحور إلى اتفاقية إنهاء الحرب.. وعمت الأخبار المفرحة جميع أنحاء العالم بانتهاء الحرب والمعاناة والآلام والعذاب.. ولكنها كانت فرحة حزينة لأن جنود الحرب قد مسّ كل بيت.. وها هو قد مضى على تلك الحرب البشعة 103 أعوام.. صحيح أن أستراليا دخلت حروباً متعددة كان معظمها الساحق خارج حدودها.. ولكن لم تكن فداحة خسارتها جميعاً مثل كارثة الحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة الكثير من الأستراليين وقصمت ظهر البلاد.
لذلك يقف الأستراليون دقيقة صمت الساعة 11 من تاريخ هذا اليوم من كل عام ويتذكرون شهداءهم بألم وحسرة.. وفي نفس اللحظة يحتفلون بانتهاء تلك الحرب الضروس المدمرة والطاحنة.
وقد دعم العرب دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ضد العثمانيين.. وكانت معركة بئر سبع في فلسطين التي انتصرت فيها القوات الأسترالية على القوات العثمانية هي البوابة نحو انتصار الحلفاء في الشرق الأوسط.. حيث زحفت بعد ذلك القوات الأسترالية إلى سوريا ولبنان وحررتهما من الاستعمار العثماني قبل وصول لورانس والقوات العربية والبريطانية والفرنسية.
ولكن غدر الحلفاء وخصوصاً بريطانيا وفرنسا بالعرب وعقدوا اتفاقية سرية تعرف بمعاهدة سايكس – بيكو بتقسيم الدول العربية وإيقاعها تحت الحكم البريطاني والفرنسي.. وأعلنت بريطانيا وعد بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين.
وفي مدينة واربما بول في ولاية فيكتوريا هناك نصب تذكاري قديم جداً تشكر فيه أستراليا شعب فلسطين على دعمه لأستراليا خلال الحرب العالمية الأولى.. ولكن لم يكن لإسرائيل وجود على خارطة العالم في ذلك الوقت.. ويجدر بأستراليا ان تكافئ الشعب الفلسطيني بوقفة شرف وأخلاق وتدعمه الآن.