أنطوان القزي
بادئ ذي بدء، أتمنى على المتحمّسين للردّ على مقالي بمجرّد قراءتهم عنوان المقال الّا يتسرّعوا، وأتمنّى عليهم أن “يأخذوا نفَساً” ويقرأوا بتمهلّ ويردّوا ليس بتعليق غبّ الطلب كما عوّدنا كثيرون.
إن مشهداً بخطورة ما يحدث اليوم في لبنان يستدعي التمهّل والتروّي وليس التسرّع.
ولا بدّ أوّلاً أن نعي أن الفيدرالية هي وطن واحد: كالولايات المتحدة ( 52 ولاية) وسويسرا( 26 كانتون) والنمسا ( 9 مناطق) والمكسيك ( 31 ولاية) والبرازيل (26 ولاية) وأستراليا (6 ولايات) وكندا ( 10 أقاليم) وألمانيا (16 ولاية) والأرجنتين (23 اقليماً) مروراً بالهند ( 28 ولاية) والبرازيل ( 26 ولاية) وروسيا (26 جمهورية) وغيرها أكثر من 25 دولة.
والذين ينتفضون من الأصدقاء “المثقفين” زاعمين أن الفدرالية هي فرز طائفي ومذهبي، نسألهم : أليس ما يعيشه لبنان اليوم هو انقسام عامودي حاد بين هذه المكوّنات؟!.
ألم يختبىء الذين استدعاهم القاضي بيطار خلف طوائفهم، ألم يصدر رؤساء الطوائف والمذاهب بيانات تحمي المستدعين. ثم ألا يعيش اللبنانيون اليوم في ظلّ فيدرالية فاقعة على مستوى الوظائف في الدرجات الأولى والثانية والثالثة، أليس فيدرالية سياسية أن يصادر “حزب الله” قرار الدولة ويميّز بين أهل القضاء : هذا قاضٍ ابن ست وذاك ابن جارية. اليست فيدرالية عسكرية عندما يشعر فريق بفائض قوّة وينشر مسلّحيه في الشارع ساعة يشاء، ثم يصدر مذكرات جلب بحق من يشاء؟.
أليس فيدرالية قمعية عندما يمنع حزب بالعصي والسكاكين ثورة المنتفضين على الفساد.
هل سمعتم يوماً أن برلين هاجمت ميونيخ في ألمانيا وأن موسكو اعتدت على بطرسبرغ في روسيا وان باريس حذّرت ليون في فرنسا؟.
تقولون ان الوضع في لبنان حسّاس وفيه عدّة طوائف،ألا ترون أن لبنان اليوم يعيش أسوأ حالات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية؟.
ففي الهند الفقيرة هناك هندوس ومسلمون وسيخ ومسيحيون وبوذيون وأناس يقدّسون البقر ويعبدون الشمس والحجر ولم يخشوا من الفيدرالية، حتى أن مدينة بومباي التي كانت مضرب مثل في الفقر المدقع ما دفع القديسة تريزا لتكريس حياتها لفقرائها، هذه ال”بومباي” ينظر فقراؤها اليوم الى بيروت ويقولون “حرام”.. وكذلك في كل من أميركا وأستراليا وكندا أكثر من مئة طائفة ومذهب وملّة.
أيها الأصدقاء، لا تكابروا ولا تغلّبوا العصبية على قناعاتكم المدفونة في أعماقكم.
الفيدرالية ليست طائفية بل هي إخراج البعض من سطوة البعض الآخر، هي ممارسة الحياة المدنية والثقافة والعقيدة بملء حرية وهذه أبسط مسلّمات حقوق الإنسان.
أخيراً، للذين عيّروني في مقال سابق على أنني معروف بتمسّكي بوحدة لبنان وما دهاني اليوم؟!، أقول لهم: الفيدرالية هي وطن واحد ودولة واحدة، هي لا مركزية موسّعة تحترم الخيارات الإنسانية والحضارية والإجتماعية لكل مكوّنات الوطن ، هذه الخيارات مفقودة اليوم في ظلّ دولة مركزية خاضعة للهيمنة المركزية وليس السلطة المركزية؟.
وللخائفين : أليست كانبرا عاصمة أستراليا وواشنطن عاصمة الولايات المتحدة وموسكو عاصمة كل الروسيا، وماذا يضير إذا بقيت بيروت العاصمة المركزية؟.
ثمّ أن دعاة الفيدرالية مؤمنون بلبنان الواحد حتى العظم ولا يفرّطون بهذا المبدأ، أمّا ما نراه اليوم، هو أن لبنان ليس واحداً كما تكون الوحدة.. والفيدرالية تحمي التنوّع في الوحدة!.