نور دكاش

مع دخول عصر الدلو، تسارعت الأحداث والوقائع على الإنسان، مقترنة بتجارب عدة تواجهه يوميًّا، ما أدّى إلى تسريع وتيرة التحديات.

في ظل هذه التغيّرات، كثُر التداول بمفهوم التفكير الإيجابي، فعرّفه البعض بأنّه حالة ذهنية تعمد إلى توقع الأشياء الجيدة على الدوام، وعرفته مراجع أخرى بأنّه التفاؤل والأمل مهما اشتدت المصاعب.

ولكن، ما هو مفهوم التفكير الإيجابي من منطلق علم الإيزوتيريك  علم باطن الإنسان الذي يدرّس الخفي والظاهر في آن، ليقدّم معرفة متعمقة عن النفس؟

التفكير الإيجابي هو منهج حياتي باطني، يتمحور حول إدخال الإيجابية على الفكر، مزامنةً مع العمل على تقوية الإيجابيات في النفس، وإزالة السلبيّات منها. الفكر، كما عرفه علم الإيزوتيريك هو: “مصدر التفكير”… حيث أنّه، “حين يكون فكر المرء سليمًا، أي يفكّر ويعمل بطريقة إيجابيّة منظّمة ومنطقية… ترتاح النفس ويهدأ البال، وبالتالي يحصل الجسد على ما يحتاج إليه من غذاء نفسي باطني، وكذلك من غذاء مادي”، (كما ورد ص 9 من كتاب “تعرّف إلى فكرك” بقلم د. جوزيف ب. مجدلاني  ج ب م). من هنا نستخلص أيضًا أنّ التفكير الإيجابي لا يرتبط بالأفكار والتفكير فحسب، بل بمصدرها  الفكر!

التفكير الإيجابي لا يعني التفاؤل المفرط، أو غضّ النظر عن مشاكل الحياة والتحديات الصعبة، بل فهم أسبابها والتعامل-التفاعل معها بإيجابية… هو إرادة إدخال نور الفهم بإيجابية على أية مسألة تخالجنا مهما بدت مظلمة المظهر. وهو أيضًا تمرّس فكري لمحاربة ثلاثية خوف-خجل-تردّد خلال خوض التجارب.

في هذا الإطار، أذكر بعضًا من مقوّمات التفكير الإيجابي والطرق التي تعزّزه في النفس كما اختبرته:

أوّلًا، العمل على رفع مستوى الوعي في الكيان، ليترفع الفكر عن العاديات وما قد يجذبه إلى التفكير السلبي… بحيث أنّ الوعي ينقذ المرء من التقهقر المتأتي عن عدم فهم التجارب…

ثانيًا، عند اعتماد النظام والتجرّد في التفكير للولوج إلى الحلول، يبتعد المرء عن الفوضى المتفاقمة ويعزّز التفكير البنّاء بدلًا من أن يجد مشكلة لكلّ معضلة تصادفه! بحيث أنّ “الإيجابية ترتكز في العمل على إعادة حال النظام إلى الكيان، وإحلالها مكان حال اللانظام، أو الخلل الحاصل بموجب تأثير السلبيّة في النفس”، كما ورد في كتاب “تعرّف إلى نفسك وإلى ذاتك” ص119، بقلم د. جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م).

ثالثًا، ما يساعد أيضًا على تعزيز التفكير الإيجابي، هو الانفتاح على حلول تبدو في ظاهرها مستحيلة، واستخدام إرادة التفكير الإيجابي لخوض تجارب جديدة بجرأة وحماسة.

وفي النقطة الرابعة، تبقى المراقبة الذاتية لاستخلاص العبر بإيجابية من أهمّ هذه المقوّمات…

كلّ شخص لديه المفتاح الخاص لتعزيز التفكير الإيجابي. وعندما يتعرّف إلى نفسه أكثر فأكثر، يجد سبل لتعزيز ذلك التفكير الإيجابي “قبل العواصف”، كي يصبح طبيعة راسخة فيه خلال المواجهات العاصفة.

من انعكاسات التفكير الإيجابي انسيابية في التفكير، نشاط فكري ينعكس نشاطًا جسديًّا، وشعور بالراحة الداخلية، فضلًا عن الشعور بالفرح والاكتفاء الذاتي… فالتفكير الإيجابي يعطي الفكر فسحة راحة ليؤدي عملية الفهم بسلاسة، وإن قابلناه بالتجدد، نصل إلى حلول لم تخطر في بالنا من قبل…

علم الإيزوتيريك بعيد كلّ البعد عن المثاليات والتنظير، وفي موضوع التفكير الإيجابي، ليس المطلوب غضّ النظر عن صعوبة التجارب، إنّما المطلوب رؤيا ثاقبة مشبّعة بالعمل على النفس لاكتساب الإيجابية، بإرادة فذّة ومسؤولية لاجتياز المحن.

إنّ نظام الحياة عادل. لا أحد يواجه أمرًا لم يجذبه بنفسه… ومن هذا المنطلق، إنّ التفكير الإيجابي مسؤولية وطريقة لجذب الإيجابية في الحياة، ولفهم

“الـ لماذا؟” و”الـ كيف؟” بتجرّد وصبر وانفتاح، خلال التقدّم على مسار التطوّر.

يقدم علم الإيزوتيريك ما يفوق المئة كتاب حتى تاريخه، جميعها تساعد المرء على تعزيز التفكير الإيجابي من خلال فهم هندسة أمور حياته وخفايا نفسه. فكلما تعمق القارئ في هذه المفاهيم، تشبع فكره بالمطلوب وبقي التطبيق العملي الطريق الأول والأخير لتظهير مكنونات “التفكير الإيجابي” بنتائج حياتية تبرهن مصداقية “العمل الإيجابي”…