كامل المر

بعد أكثر من عملية اجهاض اعقبها مخاض عسير وبعـد ان بلغ الانهـيار مـداه الأقصى  ولـدت حكومة للبنان .

وعلى الحكومة “حديثة الولادة” ان تعالج ما افسدته الحريرية السياسية على مدى عهود ، وما تسبب به حصار التجويع الأميركي من اذى وافقار اللبنانيين وحرمانهم من ابسط حقوق العيش الكريم ، فلا كهرباء ولا مياه نظيفة ولا محروقات لتشغيل معامل الكهرباء ولا مازوت لتلبية حاجة المستشفيات والافران . وبلغ التلاعب بقيمة العملة الوطنية حده الأقصى ، ونهبت أموال المودعين اللبنانيين ، وبلغ الصلف بالسفيرة الأميركية ان هددت ، اثناء زيارتها بعبدا ،  السياسيين اللبنانيين بالعقوبات الاميركية والأوروبية ، وبدت ، وهي تتمشى بساحة بكركي الى جانب البطريرك ، مزهوة بما فعلت ، وفي ظنها انها ، بما فعلت ، قد خنقت المقاومة اللبنانية وشلت ارادتها ودفعت باللبنانيين ليقفوا بوجهها ، وبذلك تكون قد حققت رغبة إسرائيلية طالما حلمت بتأليب اللبنانيين ضدّ مقاومتهم الباسلة ، التي طالما قضّت مضاجع الاسرائليين واوقفتهم على رجل ونصف .

لعب الاحتكار دوراً قذراً أدى الى اختفاء مادة البنزين من محطات الوقود والى اختفاء الادوية من الصيدليات والى ارتفاع جنوني بأسعر السلع الغذائية واختفائها من الأسواق وساهمت سياسة الدعم التي اعتمدتها حكومة تصريف الاعمال بتفعيل دور الاحتكار وتضخيمه عن غير قصد، ما سبب التزاحم بين المواطنين على السلع المدعومة ، ان في محطات الوقود او في متاجر الأغذية ، وفي أحيان بالتضارب والاقتتال ووقوع ضحايا .

فقدان الرقابة الحكومية على الأسواق وعلى محطات الوقود سهّل عملية احتكار المواد والسلع المدعومة وتهريبها الى الخارج وبيعها بأسعار السوق في البلد المهربة اليه ، وتحقيق أرباح طائلة ، وقد ظهرت السلع اللبنانية المدعومة في أسواق افريقية وفي تركيا وغيرها من الأسواق ، فيما نشطت عمليات تهريب المحروقات الى الأسواق السورية حيث أسعارها هناك اغلى من سعرها المدعوم في لبنان ، فحقق المهربون ارباحاً طائلة ايضاً .

كان من الممكن للحكومة اللبنانية ان تضبط عمليات التهريب لو تعاونت مع الحكومة السورية في هذا المجال. لكن كان محرماً على الحكومة اللبنانية ان تتعاون مع الحكومة السورية ولو في مجال ضبط تهريب المحروقات ، لكن قانون قيصر الأميركي للعقوبات الشامل “بنعمه” لبنان وسوريا منع مثل هذا الاتصال .

وعندما تطورت الأمور الى حدّ الاصطدام بين اللبنانيين في الأسواق وفي محطات الوقود حيث صفوف المواطنين تعدت كيلو مترات على محطات الوقود وتسببت بزحمة سير خانقة واصطدامات بين الموطنين وسقوط ضحايا لم يبق امام المقاومة الا ان تتصرف لكسر الحصار وتأمين المحروقات رغم انف قانون قيصر الأميركي فاعلن السيد حسن نصرالله استقدام سفن المحروقات – مازوت وبانزين – من ايران وبالعملة اللبنانية بعد ان تمنعت الحكومة اللبنانية عن ذلك خوفاً من قانون قيصر الأميركي  .

وعندما اعلن السيد نصرالله ذلك ادركت سفيرة عوكر ان الحصار الأميركي قد كسر فأسرعت للاتصال بالرئيس اللبناني ، ولم تنتظر للصباح حيث كان الوقت متأخرا ، لتبلغه ان اميركا ستعمل على استقدام الغاز المصري ولاستجرار الكهرباء من الأردن وعبر سوريا الى لبنان ، وفي صباح اليوم التالي كان وفد من حكومة تصريف الاعمال يزور سوريا ليبحث مع المسؤولين السوريين امر استجرار الغاز المصري عبر الأردن وسوريا الى لبنان وكذلك استجرار الكهرباء الأردنية عبر سوريا الى لبنان . وكعادتها سوريا تسهل كل امر يعود بالخير على اللبنانيين فهي تدرك ان مصير البلدين واحد، والتعاون بينهما حتمي بحكم الجغرافيا وبحكم التاريخ ايضاً .

وانعكس الامر على جهود تشكيل الوزارة في لبنان فزللت العقبات وتشكلت الوزارة وصدرت مراسيم التشكيل واجتمعت الوزارة وكلفت لجنة لوضع البيان الوزاري وستعقد جلسة وزارية في بعبدا لاقرا البيان ثم تذهب به الى مجلس النواب لنيل الثقة وعندما تنال الثقة تكتمل صلاحياتها وتبدأ العمل .

كثيرة هي المهمات الملحة التي تواجه الحكومة وتحتاج الى معالجات سريعة . لعلّ المفاوضات مع البك الدولي ومع صندوق النقد الدولى اصعبها واعقدها ، فالمساعدات الدولية مشروطة بتطبيق “إصلاحات” احلاها مرّ . ليس لان الحكومة لا تريدها ، بل لان كلفتها على البلاد باهظة وتتمثل بخصخصة مؤسسات الدولة من الكهرباء الى الماء الى الاتصالات الى التعليم والجامعات الخ … واذا ما باعت الدولة اصولها من المؤسسات لا يتبقى لديها ما تستند اليه فتغرق بالديون وهي عليها من الديون الان ما يقرب من مئة مليار دولار. واذا ما اغرقت الدولة بالديون  يسهل ابتزازها للسير في تسويات لا تريدها كالتطبيع مع العدو الاسرائيلي ، ولعل هذا حلم بعض الطبقة السياسية الفاسدة التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه الان .

عسى ان تتنبه الحكومة الى هذه المخاطر فلا تتنازل عن دورها في الرعاية الاجتماعية ، ولا تتخلى عن المؤسسات التي تشكل الأصول لديها . وعسى الّا تقدم على امر يرهن إرادة اللبنانيين ويكبلهم بمواثيق واتفاقات لا يرتضونها ، فذلك يجر الكوارث على البلد.