ارتفع منسوب التفاؤل بولادة الحكومة في الساعات القليلة المقبلة، أو غداً السبت المقبل على أبعد تقدير، في ضوء ما يوصف «بحركة مثمرة» للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بين بعبدا و«البلاتينوم» (حيث يقيم الرئيس المكلف نجيب ميقاتي).
وما اضفى على الموقف «جدية» ما أبلغه الرئيس ميشال عون لوفد الكونغرس الأميركي، الذي استهل لقاءاته معه، من ان «عملية تشكيل الحكومة الجديدة قطعت شوطاً كبيراً وان الكثير من العقبات قد ذللت»، مع الاعراب عن أمله في ان «تشكل هذا الأسبوع»، ومؤكداً في الوقت ذاته على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022.
التقدم في التأليف
حكومياً، تربط أوساط نيابية بين التراجع الملحوظ لسعر صرف الدولار، وما يُحكى عن تقدّم حقيقي في موضوع تأليف الحكومة، مع الحرص على «الحذر الواجب» نظراً للتجارب السابقة.
يذكر ان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عقد اجتماعاً مع الرئيس المكلف وصف بأنه كان ايجابياً، ثم زار قصر بعبدا لهذه الغاية، وتركزت المناقشات على الأسماء المقترحة، لا سيما المسيحية منها لتولي حقيبتي الاقتصاد والشؤون الاجتماعية بعدما حسمت بشكل شبه نهائي توزيعة باقي الحقائب، بعدما أكّد الرئيس المكلف ان لا ثلث معطّل لأية جهة، تنال 8+1= 9 وزراء، يعني لا حكومة.
ورست آخر بورصة اسماء كالآتي: سعادة الشامي نائباً لرئيس الحكومة، عبد الله بو حبيب وزيراً للخارجية، العميد المتقاعد موريس سليم وزيراً للدفاع، يوسف خليل وزيراً للمالية، كارول عياط لحقيبة الطاقة، جورج قرداحي وزيراً للإعلام، جوني قرم وزيراً للصناعة، عباس حلبي وزيراً للتربية (حصة الإشتراكي)، الدكتور فراس الأبيض وزيراً للصحة والدكتور الجامعي ناصر ياسين وزيراً للتنمية الادارية (الوزيران من اقتراح الرئيس سعد الحريري).
وكانت قد حسمت حقيبة الداخلية لميقاتي يتولاها القاضي بسام المولى. وحقيبة العدل لعون تتولاها القاضية ريتا كرم. وجرى تداول إسم غبريال فرنيني ليكون وزيراً للمهجرين.
لكن مصادر أخرى، تحدثت عن ان أسماء أخرى في المسودة التي ينقلها اللواء إبراهيم بين الرئيسين عون وميقاتي منها:
1- العدلية: القاضي هنري خوري.
2- الداخلية: القاضي بسّام المولوي.
3- الثقافة: القاضي محمّد مرتضى.
4- الشؤون الاجتماعية: القاضي رفول البستاني.
وافادت مصادر مطلعة على اجواء بعبدا ان الحكومة تقطع أميالها الأخيرة ما لم تحصل مفأجاة غير سارة بعد الدخول في التفاصيل وليس هناك من أي مبرر لقيام أي تأخير في تأليف الحكومة. ودعت المصادر إلى عدم تعليق أهمية على موضوع الثلث. وأشارت إلى أن هذه الحكومة ستكون حكومة كل لبنان.
إلى ذلك أفادت مصادر سياسية أن ما تبقى من عراقيل تتصل بتوزيع وزارتين وإسقاط أسماء عليها مشيرة إلى أنه في المبدأ أضحت التركيبة شبه مكتملة على أن أي تبديل في الأسماء وتقدم حظوظ أسماء على أخرى قد تكون واردة في اللحظات الأخيرة شرط الإبقاء على التوزيع الطائفي.
وعلم أن المدير العام للأمن العام واصل مساعيه المتنقلة بين بعبدا والبلاتينوم حاملا طروحات على أن تتكثف اتصالاته في الساعات المقبلة من أجل بلورة النتيجة النهائية قبل اللقاء الحاسم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
وعلم أن ما لم يحسم بعد هو إلى من ستؤول إحدى الوزارتين الاقتصاد والشؤون الاجتماعية وسط تأكيد من الرئيس المكلف أنه يرغب في إحداها لأن اي وزارة أساسية لم تدرج من حصته إلا وزارة الصحة وهي في الأصل من حصة الرئيس الحريري. وسألت ما إذا كان الرئيس ميقاتي يقبل أن تكون الوزارتان من حصة رئيس الجمهورية ويحصل على بديل لهما أو أنه يتمسك بالحصول على إحدى الوزارتين. ومن هنا النقاش ينحصر على هذه المسألة.
وأكدت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة ان الاتصالات الجارية لحلحلة العقد وتجاوز الخلافات حول التشكيلة الوزارية قطعت شوطا كبيرا واصبحت في مراحلها الاخيرة، ولم يتبق منها الا بعض التباينات الثانوية، ينتظر ان يتم تسويتها اليوم على ابعد تقدير.
وقالت ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، يحرص على تذليل وإنهاء كل التباينات والعقد قبل عقد اي لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لكي يكون لقاء التأليف واصدار مراسيم التشكيلة الوزارية المرتقبة، والا فانه، سيتريث قليلا، ريثما يتم تجاوز كل الخلافات، الا اذا كان بعضها يتطلب نقاشا مع عون شخصيا في المرحلة الاخيرة. واذ اشارت المصادر الى ان من بين العقد التي ما تزال غير محلولة، عقدة وزارة الشؤون الاجتماعية وعقدة وزارة الاقتصاد، وتتسارع الاتصالات للاتفاق بخصوصهما، بسرعة، وتوقعت المصادر ان تعلن الحكومة الجديدة قريبا، اذا سارت الامور بسلاسة، ولم تطرأ خلافات الساعة الاخيرة، كما يحدث احيانا.
وليلاً، علم ان معظم العقد ذللت، وانه في حال توجه الرئيس المكلف إلى بعبدا، فهذا يعني صدور المراسيم هذا النهار أو غداً على أبعد تقدير، ما لم يطرأ أي تطوّر لم يكن بالحسبان.
لكن ردّ رؤساء الحكومات السابقين، عبر مصادرهم على «البيان المعمم» باسم «مصادر مطلعة» على أجواء بعبدا، قلل من أجواء التفاؤل.
وقالت مصادر الرؤساء «فيما عملية تشكيل الحكومة لا تزال تدور في الحلقة التعطيلية المعروفة، رغم كل الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، لجأت «اجواء بعبدا»، كما وصفت نفسها، الى تسريبات جدلية مجتزأة وفي غير مكانها الصحيح في محاولة للتعمية على الوقائع الدقيقة. وتوضيحاً للحقيقة، وحسماً للجدل نقول:
أولاً: إن الرئيس المكّلف، في حديثه التلفزيوني الاخير عن مسؤولية رئيس الحكومة امام مجلس النواب انطلق من نص المادة ٦٤ التي تقول رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، ويطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب.
ثانياً: ان موقف رؤساء الحكومات السابقين المعبّر عنه في البيان الاخير الذي اصدروه، بشأن مسؤولية رئيس الجمهورية في انفجار المرفأ انطلق من كلام الرئيس نفسه انه تلقى تقريراً عن المواد المتفجرة، ولم يدع المجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ الاجراء المناسب.
وشدّد رؤساء الحكومات على انه لا يجوز الاستمرار في استهلاك الوقت، ويأملون ان يتم فوراً ودون إبطاء تشكيل الحكومة المطلوبة.
وفد الكونغرس
وسط حالة الترقب لكيفية خروج لبنان من أزماته المتزايدة، أنهى وفد الكونغرس الأميركي زيارة إلى لبنان التقى خلالها الرؤساء عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي، قائد الجيش جوزاف عون في مكتبه في اليرزة، بحضور السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا، وتناول البحث وضع الجيش في ظل الظروف التي يعيشها لبنان وسبل دعمه للاستمرار بالقيام بمهامه، حسب بيان مديرية التوجيه.
أهم ما قاله الوفد الأميركي للمسؤولين، كشف عنه السيناتور بلومنتال في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مطار رفيق الحريري الدولي قبل المغادرة، ان لا داعي لاعتماد لبنان على شحنات الوقود الإيراني.
وفهم ان وفد الكونغرس قد يثير مع الجانب الإسرائيلي عدم التعرّض للباخرة الإيرانية، منعاً لأية إشكالات بين لبنان وإسرائيل، انطلاقاً من الموقف الذي نقل عن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد من ان: قضية سفينة الوقود الإيرانية المتجهة إلى لبنان مسألة أمنية.
وأكد وفد الكونغرس أن الولايات المتحدة يمكنها القيام بدور ريادي لمساعدة حكومة جديدة في لبنان للخروج من أزماته.
وقال أعضاء من الوفد في المؤتمر الصحفي الذي عقد في المطار قبل المغادرة الى اسرائيل، إن أي عضو في الحكومة اللبنانية يتورط في قضايا فساد ستفرض عليه عقوبات أميركية، مضيفين أن «الفساد نمط في الحكومة اللبنانية وهذا غير مقبول».
وأشار الوفد إلى أنه سمع «من الجميع أن هناك التزاما بإجراء الانتخابات في موعدها»، وقال «نتطلع إلى أخبار مفرحة عن تشكيل حكومة جديدة». وحول أزمة لبنان المتعلقة بالمحروقات، قال الوفد إن «أي وقود يمر عبر سوريا يتعرض إلى العقوبات المفروضة من الكونغرس ونحن نعمل على إمكانية تيسير ذلك».
وشدد أن «حزب الله منظمة تستحوذ على جزء من المال، وهذا لن يحل أزمة الوقود في لبنان»، وتابع «لا أحد يجب أن يعتقد بأن إيران ستحل أزمات لبنان».
وأكد الوفد أن «ما من دولة تحملت أعباء اللاجئين مثل لبنان، ونتطلع إلى مساعدة لبنان في مسألة اللاجئين».
وابلغ عون الوفد الاميركي ان «عملية تشكيل الحكومة الجديدة قطعت شوطا كبيرا والكثير من العقبات قد ذللت، معربا عن امله في ان تشكل الحكومة هذا الاسبوع». واشار إلى ان «من ابرز المهمات المطلوبة منها هي اجراء إصلاحات واطلاق عملية النهوض الاقتصادي لمواجهة تداعيات ما شهده لبنان خلال الأعوام الماضية من احداث تراكمت فوق بعضها البعض وادت الى الوضع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون راهناً».
واكد الرئيس عون أن «الانتخابات النيابية سوف تجري في موعدها في ربيع 2022، وسنسهر على ان تتم في أجواء من الحرية والنزاهة، لأن الحياة الديموقراطية تستوجب تجديدا في السلطتين التشريعية والتنفيذية، تحتاج اليه الحياة السياسية في لبنان الذي ينتقل من مرحلة الى أخرى، بعد سلسلة إخفاقات حصلت منذ العام 1990 وحتى اليوم». كما اكد التزامه «الاستمرار في عملية مكافحة الفساد والتدقيق المالي الجنائي والعزم على معالجة نقاط الضعف في النظام الاقتصادي اللبناني». لافتا الى «الحاجة الراهنة لمساعدات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، إضافة الى استمرار دعم الجيش. اما الرئيس بري فأعرب عن أمله في «انجاز حكومة في القريب العاجل، واكد «الالتزام باجراء الانتخابات النيابية في موعدها».
بيان المطارنة
أما على صعيد المواقف الداخلية من الوضع الراهن فاكتسب بيان مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي امس دلالات خطيرة داخليا وخارجيا اذ اعلن ما يشبه النداء التاريخي الشهير للمطارنة عام 2000 ودعا الى التعبئة الشعبية ضد محاولات الانقلاب على الطائف ومحاولات إزالة لبنان وقال ان: «الآباء يقفون مع أبنائهم وبناتهم ومع اللبنانيين جميعهم بذهولٍ وغضب وألم أمام هذا التمادي غير المسؤول في سوء إدارة المصالح العامة والمال العام، وأمام تفاقم الأزمة السياسية، بحيث بات تشيكلُ حكومةٍ شأنًا مستحيلاً على رغم مرور أكثر من سنةٍ على تعذُّر هذا التشكيل لأسبابٍ تحاصصية معيبة لأصحابها. وهم إذ يُحذِّرون من مغبة ما يجري ويُخفي انقلابًا على الميثاق الوطني والدستور واتفاق الطائف، وفق ما أشار إليه صاحب الغبطة، يُحمِّلون المعنيين في الدولة، تبعات الكوارث المتتالية التي يتسبّبون بها». وأضاف: «يرى الآباء أن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي بات على مشارف الزوال، وأن ثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك. ويدعون شعب لبنان إلى التصدي لها بما أُوتِي من قوّة، ومهما بلغت التضحيات. فالقضيّة اليوم إنما هي قضيّة المصير وبالتالي قضيّة حياةٍ أو موت. لذا يناشد الآباء المجتمع الدولي المبادرة سريعًا إلى احترام القرارات الدولية المُتعلِّقة بلبنان والعمل على تنفيذها بقوّةٍ وحزم، إسهامًا في حماية بنية الدولة اللبنانية، ومصيرها ومصير أهلها، بعيدًا عن الحسابات والتجاذبات الدولية والإقليمية التي لم تدفَعْ بلبنان إلا إلى الخراب».
مساعدات أممية
وسط هذه الأجواء أعلنت الأمم المتحدة تخصيص عشرة ملايين دولار من أجل شراء الوقود لمستشفيات ومحطات مياه في لبنان. وقال الأمين العام المساعد لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في تغريدة عبر «تويتر» إن «الشحّ في الوقود والكهرباء يهدد خدمات الصحة والمياه الأساسية في كامل لبنان، ما يضع آلاف العائلات في خطر مواجهة أزمة إنسانية».
وبناءً عليه، ستخصّص الأمم المتحدة، وفق ما جاء في البيان «ستة ملايين دولار لمساعدة 65 مستشفى في لبنان فضلاً عن منشآت صحية أساسية وصيدليات ومستودعات تخزين مبردة».
ورصدت الأمم المتحدة كذلك أربعة ملايين دولار لتأمين الوقود لضمان «استمرارية» خدمات صحية والمياه والصرف الصحي، ويتضمّن ذلك تأمين المحروقات لأربعة محطات ضخّ مياه تخدم أكثر من ثلثي السكان في بيروت والبقاع وجنوب البلاد وشمالها. ومن شأن هذه المساعدة أن تدعم 2,3 مليوني شخص عبر ضمان أن «يكون هناك ما يكفي من وقود لاستمرار عمل محطات المياه».